كل خطوط الترسيم تؤدي إلى خراب “البصرة”…

كتب الأستاذ حليم خاتون

هل الترسيم في مصلحة الأمة وهو يعطي شرعية وجود لكيان غير شرعي؟

هل الترسيم هو مصلحة لبنانية وهو يحصل نتيجة مفاوضات بين سلطة لبنانية هزيلة وكيان عسكري قوي عبر وسيط هو ضابط من نفس هذا الكيان، يحمل جنسية دولة عظمى هي حامية هذا الكيان…؟

الكل يذكر الوسيط السابق هوف الذي كان يقول إن على لبنان القبول بخطه، أي خط هوف لأن ليس باستطاعته الحصول على أفضل من هذا…

الترسيم عندما لا يستند إلى القانون الدولي، بل إلى مفاوضات بين قوي مستعمر وبين ضعيف فاسد كل همه حماية النهب الذي ارتكب؛ هكذا ترسيم لا يمكن إلا أن يكون في مصلحة القوي…

حتى قبل أن يرفع السيد نصرالله إصبعه المشهور، كانت السلطة في لبنان في موقع التبعية المطلقة والعبودية أمام الصلف الصهيوني المدعوم أميركيا…

كانت اسرائيل تستند إلى غباء موفد السنيورة التي وصلت حد الخيانة عبر وضع النقطة رقم واحد مع قبرص…

بعد تلك التنازلات الفضيحة، أراد لبنان الحصول على خط النقطة ٢٣ دون جدوى لأن موازين القوى لم تكن تسمح بذلك…

حتى خط النقطة ٢٩، تم إخفاء الدراسة التي حددته من قبل حكومة الرئيس ميقاتي الذي تتهمه صحيفة أزفيستنايا الروسية بالتعامل مع شركات اسرائيلية لوضع اليد على الثروة الغازية والنفطية في لبنان( راجع المقالة الروسية على موقع إضاءات)…

في حديث على الجديد، أعلن وزير الداخلية الأسبق في حكومة ميقاتي السابقة، العميد مروان شربل أن الدراسة عن الخط ٢٩ سحبت من جدول أعمال الاجتماع الحكومي بطريقة مريبة وغير قانونية…

لماذا تم إخفاء هذه الدراسة أكثر من عشر سنوات قبل أن تظهر فجأة…

هل أن اسرائيل تريد فعلا المماطلة حتى ينهار البلد فتقوم بفرض الخط رقم واحد المواجه لمدينة صيدا، كما فعلت مع هضبة الجولان بعدما قامت داعش والنصرة والتنظيمات العميلة بتدمير قدرات الدولة السورية…

ما تقوله بعض صحف الكيان من وجوب عدم الترسيم وانتظار انهيار لبنان لفرض الأمر الواقع وأخذ كل شيء هو فعلا وجهة نظر قسم من الصهاينة…

لكن دخول حزب الله على الخط، فرض على هذه السلطة اللبنانية الهزيلة التشبث ببعض الحقوق، وجعل قسما آخرا من الصهاينة يخشى أن يفرض الحزب على هذه السلطة التشبث بكامل الحقوق حتى النقطة ٢٩… لذلك يريد إعطاء لبنان بعضا من الحقوق مقابل السطو رسميا على الباقي…

لذلك، فإن الترسيم اليوم، ومع الحدود التي تطالب السلطة اللبنانية الهزيلة بها، سوف يكون تنازلا لا سابقة له في التاريخ…

هل حزب الله محشور إلى هذه الدرجة حتى يوافق على هكذا تنازل…؟

عندما يقول السيد نصرالله أن الحزب يتابع المفاوضات دون أن يكون جزءا منها، يفهم المرء أن الحزب لا يريد الدخول في تشريع وجود الكيان…

لكن ما لا يستطيع المرء هضمه، هو أن يقول السيد أن الهدف أكل العنب (وليس قتل الناطور)…

ناطور الأمر الواقع على الثروة البحرية بكل أسف هو العدو الصهيوني…

والهدف يجب أن يكون قتل الناطور حتى لو خسرنا كل الغاز وكل النفط…

لا، لا نريد أكل العنب، نريد.قتل سارق الكرم…

مشكلتنا مع حزب الله أنه ينظر إلى هذا الغاز وإلى هذا النفط على أنه الامل الوحيد لخروج البلد من عنق الزجاجة الذي وضعتنا فيها سلطات الفساد المتعاقبة بأمر مباشر من الإمبريالية الأمريكية…

هناك أكثر من حل لهذه الأزمة من دون اللجوء إلى الغاز أو النفط…

لكن حزب الله لا يريد الدخول في اشتباك مع الذين يضعون أيديهم على كل الاقتصاد اللبناني…

الحل اسهل من الترسيم وأكثر شرفا وعزة…

الحل هو بإقامة دولة القانون…

الحل هو بإعادة أملاك الدولة إلى هذه الدولة ومنع كل الأحزاب من السلطة والمعارضة على حد سواء من الاستمرار في نهب الثروات…

الأملاك البحرية وحدها كفيلة بتأمين أكثر من أربعة مليارات دولار سنوياً وفقا لمدير المحاسبة الاسبق في وزراة المالية امين صالح في لقاء مع الاعلامي جاد غصن…

حزب الله يعرف جيدا أن كل أركان السلطة والمعارضة هم مجموعة من المافيات يتقاسمون القطاعات ويسطون ليس فقط على المال العام، بل أيضا على ما لا يزال في جيوب الناس…

لكن حزب الله الذي يتحدى دوما ان يشار إلى أي من عناصره بدليل فساد، يغمض عينيه ولا يريد أن يرى أن نسبة انتشار الفساد قد تجاوزت كل الحدود المعقولة في شبه الدول، وإن هذه النسبة لا بد بدأت تغطي قسما لا بأس به من جمهور الحزب…

باسم النظام الحر في لبنان، يجري سرقة اللبنانيين ليس فقط في الكهرباء والماء والبنزين والمازوت… بل يصل الأمر إلى استهداف بيئة المقاومة نفسها، حيث تزيد اسعار السلع في الجنوب مثلا ما بين ١٠ إلى ٣٠ في المئة أكثر منها في بيروت…

من عشرة إلى ١٥٠٠٠ ثمن كيلو الخيار في بيروت يصل السعر الى ٢٠٠٠٠ وحتى ٢٥٠٠٠ في الجنوب…

كيلو البيتي فور في بيروت ٢٥٠٠٠٠ وفي فرع نفس المحل في صور ب ٤٢٠٠٠٠ ليرة…

اليس في هذا استهداف لبيئة المقاومة…؟

سياسة “اهلا بهالطلة” تريد الاستيلاء على كل المال الذي يدخل البلد بكل الطرق غير الشرعية…

ما معنى أن تكون أسعار مطعم الساحة مثلاً، أقل ما بين ١٠ و٢٠٪ من ارخص المطاعم الأخرى من نفس المستوى… كل ذلك بترخيص رسمي من وزارة السياحة التي سمحت التسعير على الدولار…

بل ما معنى أن تكون المنقوشة او صحن الفول في بيروت ارخص من تلك في القرى الجنوبية…؟

يبدو أن اللبناني الذي لم يستطع استرداد ماله المنهوب من قبل المصارف والسلطة بات يلجأ إلى سرقة أخيه اللبناني الآخر دون خجل ودوما باسم ارتفاع سعر الدولار…

هل الجنوب محاصر أكثر من بيروت…؟

إذا كان الأمر كذلك، ماذا يفعل الثنائي الذي لا يكف عن الصراخ في البرية…؟

الجواب ليس صعباً…

في الثنائي لا بد من وجود كمية من المستفيدين من كل هذه الفوضى، وإلا لماذا لا يتخذ أحد أي إجراء…؟

الدكتور علي حسن خليل لا يرى كل هذا ليتكلم به، لكنه يدين بشدة الغارة الاسرائيلية على مطار دمشق…

قد يقول قائل وما الرابط بين الأمرين…؟

الرابط يا حبيبي هو أن سياسة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة هو ما يمنع المحاسبة في لبنان، وهذا ما يفعله الدكتور المصون…

لا يريد المرء المزايدة على حزب الله…

الكل يعرف أن الذين تناول سيرتهم السيد نصرالله من لبنانيي اميركا وإسرائيل ينتظرون ما سوف يقوم به الحزب…

إن هو قام بتنفيذ التهديد، سوف يتهمون الحزب بالتسبب بالحرب ودمار البلد…

وإن هو لم ينفذ التهديد، سوف يتهمون الحزب بالتخلي عن حقوق لبنان…

لهذا ربما غاب شعار ما بعد ما بعد كاريش، واكتفى السيد فقط بالحديث عن كاريش…

غياب الربط بين كل الشاطئ اللبناني مع كل الشاطئ الفلسطيني في كلمة السيد الأخيرة يدعو إلى الحزن…

المداحون على أقنية الثنائي والميادين لم يشيروا إلى هذا على خطورته…

هذا يدعونا إلى التساؤل عن مدى قوة الموقف وقوة الإرادة…

يبدو أن محور المقاومة يكثر من الحسابات ويقلل من أهمية قوة الإرادة…

اسرائيل تضرب يوميا تقريبا في سوريا…

اسرائيل ضربت في غزة ما اعتبره البعض نصرا ووحدة ساحات بينما الواقع كان عكس ذلك تماما…

أميركا تعتدي في سوريا وتعيد نشر الدواعش في العراق، ونحن نتعايش مع هذا الواقع…

اليمن في هدنة آن وقت دفنها، ولا احد يفعل شيئاً…

المحور الواحد هو مجموعة حارات أكثر منه محور مقاومة…

أحيانا يتساءل المرء إذا كان لقب “أبو علي” يليق بغير فلاديمير بوتين…

على الاقل، يواجه الرجل وحده اقوى حلف عرفته البشرية…

نحن لسنا ضعفاء…

الضعيف هو من لا يقوى على زعزعة الاستقرار، ونحن قادرون على خلق أكثر من جهنم للإمبريالية، وفي أكثر من مكان…

بدل ذلك، نترك الأميركيين يستفردون بالساحات واحدة تلو الأخرى…

حتى وصل الأمر إلى استفراد الجهاد في غزة ضمن الساحة الواحدة والباقون نياما أو مطبلين…

متى نغضب…؟

وحده الله يعلم…

متى نضرب…؟

هل علينا انتظار المهدي حتى نقوم بما يلزم…

هل نريد ان نكون من جنده أم نريد أن نقول له إذهب وربك وقاتلا…؟

ثلاثة أسابيع في لبنان كانت كافية لكي يرى المرء أن مجتمعاتنا ليست على المستوى المطلوب…

ما تحتاجه الأمة هو تنظيم حديدي في داخل البلد وعلى الخارج المعتدي…

ما ظهر أن أهم قوة في محور المقاومة هو فعلا جناحان:

جناح عسكري حديدي قادر على مواجهة إسرائيل وهزيمة الأطلسي حيث يجب أن نكون…

وجناح سياسي من مسطرة الموجودين في السلطتين التنفيذية والتشريعية الذين يدورون حول أنفسهم ولا يرتقون بالمجتمع المقاوم إلى المستوى المطلوب…

قد لا يكون معظمهم فاسدا، لكنهم بالتأكيد غير فعالين ولا يختلفون كثيرا في التنظير بلا هدف ولا من يحزنون…

كلمات هؤلاء في جلسة الموازنة كانت مطالبات عامة وأقرب إلى مواضيع مادة الانشاء العربي في المدارس الابتدائية…

ألم يكن الافضل انتخاب امثال الدكتور أمين صالح بدلا عن هؤلاء…؟

يبدو أن كلمة “ما خلونا” سوف تصبح قريبا الاولى في الشعارات الفارغة…

لا يريد المرء زرع التشاؤم…

لكن الحقيقة هي أن سلطة المافيا في لبنان هي فعلا اقوى من سلطة النزاهة ونظافة الكف، ليس فقط في كل المجتمع اللبناني بل حتى في أحد انقى ظواهر هذه الأمة…

حزب الله ابن هذا المجتمع…

هو ليس فقط غير قادر على تغيير المجتمع…

هو لا يريد تغيير هذا المجتمع…

هو ببساطة ابو ملحم جديد يتعايش مع كل الفساد وكل الصفات غير الحميدة التي تكبل مجتمعاتنا حتى تساءل المرء إذا ما كان هؤلاء المؤمنين يفهمون معنى الإيمان ومعنى ما يرددون في الصلاة…

حليم خاتون

شاهد أيضاً

طرابلس عاصمة للثقافة العربية

المرتضى اطلع من بيار عازار على الوضع الثقافي والانمائي لمنطقة كسروان بحث وزير الثقافة القاضي …