التدقيق المالي الجنائي : بين التنفيذ والتعطيل*



رانيا حتي ( باحثة في العلوم السياسية)

شهدت مرحلة حكومة الرئيس حسان دياب إصلاحات مفصلية لم تشهدها الحكومات السابقة المتعاقبة على الحكم منذ التسعينات. ولكن شاءت الظروف أن تستقيل الحكومة بعد عدة أيام من إنفجار مرفأ بيروت المدمّر للبشر والحجر الذي حصل في 4 آب 2020 . لم تكن الإصلاحات الحكومية التي سعى إليها كل من رئيسي الجمهورية والحكومة ميشال عون و حسان دياب بالسهلة. إنما تعرضت للكثير من التجاذبات السياسية والمعارضات حتى من داخل الحكومة نفسها . من بين تلك الإصلاحات التي تم إقرارها نذكر منها؛ خطة عودة النازحين السوريين، إقرار التدقيق المالي الجنائي .
بالنسبة لل
Forensic Audit
التي أصبحت مبرمة بحكم الواقع مع شركة
Alvarez & Marsal
لكنها في الحقيقة لا تزال تحتاج إلى توقيع وزير المال “غازي وزني” بعد تفويض مجلس الوزراء له . فالسؤال الأساسي الذي يقض مضجع القلقين على مصير التدقيق الجنائي حول إذا كان وزير المال سيوقّع العقد مع تلك الشركة التي ستدقق في حسابات مصرف لبنان أم سيتبرأ منها وتصبح في مهب الريح ؟

الإصلاحات البنيوية مطلب فرنسي

عقب انفجار مرفأ بيروت، جاء الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” إلى لبنان بعد استيضاح ما حصل من استهتار وإهمال وفشل لإدارة المرفأ الحيوي لمدة سبع سنوات على التوالي، دون إتخاذ إجراءات وقائية وحماية ميناء العاصمة من التفجير . تلك الكارثة شرّعت الأبواب لرئيس الإليزيه لحث الدولة اللبنانية بجميع أركانها، القيام بإصلاحات جدّية وفعّالة . مشيراً بأن لبنان يعاني أزمة اقتصادية ومالية منذ عقود ويتطلب حلها مبادرات سياسية قوية، آملاً أن تحصل التحقيقات بطريقة شفافة وتفسر أسباب الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت . وبالنسبة للتدقيق المالي الجنائي أو التشريحي، فقد أصرّ ماكرون بأن هناك حاجة لإصلاح النظام المصرفي اللبناني ليكون أكثر شفافية .

طبعاً تلك الإصلاحات لن تحصل إلا بعد توقيع “وزني” على العقد باعتبار أي تحقيق شفّاف لا يتّم إلا من خلال
Forensic Audit
الذي يتخطّى أعمال المحاسبة العادية بحيث يتّم تقييم الخسارة وتوثيق الأدلة لمعرفة سبب الخسارة ومن المسؤول عنها وأين ومتى تمّ صرف الأموال أو التصرف بها .

التدقيق المالي الجنائي مطلب الرئيسين عون ودياب

هناك من يعتبر بأنه مع استقالة الحكومة تم إطاحة المحاسبة الجنائية التشريحية. ولكن ما لم يُعلن عنه بأن الرئيس دياب سيلاحق التدقيق بكل تفاصيله حتى بعد استقالة حكومته، خاصة بأنه أخذ وعداً من الوزير المختص إبرام العقد قريباً جداً. فرئيس الحكومة يعتبر الدقيق المالي التشريحي حجر الأساس في عملية الإصلاح الشاملة فضلاً عن كشف مكامن الفساد والهدر، بدءاً من حسابات مصرف لبنان والتي ستمتد إلى باقي المؤسسات الحكومية والإدارات كافة. بالتالي، تعهّد رئيس الجمهورية ميشال عون أيضاً للقلقين على مصير التحقيق المالي بعد استقالة الحكومة بأنه سيستمر في متابعته له حتى يأخذ مجراه كما يجب.

إذاً ما يتبيّن، بأنه دون تشريح الحسابات لن تحصل إصلاحات جذرية . كما أن المساعدات المالية الدولية من قروض سيدر أو من صندوق النقد الدولي ستصبح في مهب الريح . فلا ثقة للمجتمع الدولي بالدولة اللبنانية دون إصلاحات في جميع المجالات . إلاّ أن الآمال تبقى اليوم رغم استفحال الأزمة واسودادها معقودة على الشرفاء عون ودياب ووزني . وكما يقول جان جاك روسو ” أعطني القليل من الشرفاء وأنا أحطّم لك جيشاً من اللصوص والفاسدين والعملاء” . فهل سينفّذ الأمر ونحطم جيشاً من المنظومة العميقة ؟ إنّ لناظره قريب.

شاهد أيضاً

8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة

تؤثر خيارات نمط حياتنا بشكل كبير على صحتنا، حيث يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي أو …