*توقّفت الصّواريخ في غزّة “مُؤقَّتًا” ولَعلَعَ الرّصاص في نابلس.. ماذا تعني “كتيبة نابلس” التي تجمع “الجهاد” و”كتائب فتح الجديدة”؟ وما دور “حماس” في العودةِ للتّهدئةِ سريعًا وبعد ثلاثة أيّام من المُواجهة فقط؟*

 

*عبد الباري عطوان*

ربّما كانت حرب غزّة الأخيرة هي “أقصرُ الحُروب” ولكنّها لا تقلّ أهميّة عن كُلّ سابقاتها، لأنّها كانت حرب “الضفّة الغربيّة” في قِطاع غزّة، وهذه مُعادلةٌ جديدة هي الأولى من نوعها، نسفت كُل المُخطّطات الإسرائيليّة لفصل الضفّة عن القِطاع، والانفِراد بكُلّ واحِدةٍ على حِدَه.

لم يكن من قبيل الصّدفة، أن تشتعل مدينة نابلس (جبل النار) بالغضب، وتُعلن تكريس انضِمامها إلى المُقاومة بتحوّلها إلى عاصمةِ “كتيبة نابلس” التي تضم حركتيّ الجِهاد وكتائب شُهداء الأقصى الفتحاويّة بعد يومين فقط من بدء سرَيان وقف إطلاق النّار في القِطاع، فهذا التّحالف القديم المتجدد، بات يُشَكِّل كابوسًا لكُل من دولة الاحتِلال والسّلطة الفِلسطينيّة، ولا نكشف سِرًّا عندما نقول إن هُناك اتّهامات للشيخ تيسير السعدي، قائد حركة الجهاد الإسلامي في جنين بأنّه مُهندس هذا التّحالف والمسؤول الأوّل عن التّنسيق بين جناحيه، وإذا تمّ الإفراج عنه رُضوخًا لشُروط حركة “الجهاد”، وأحد بُنود اتّفاق وقف إطلاق النّار، فإنّها ستكون سابقة تاريخيّة تُسَجِّل أحد أهم انتِصارات حرب غزّة.
***

استشهاد ثلاثة فِلسطينيين في الاجتياح الإسرائيلي للمدينة (نابلس) أبرزهم القائد إبراهيم النابلسي (26 عامًا) قائد كتيبة شُهداء الأقصى، وكُل من سلام صبوح (25 عامًا) وحسين جمال طه (16 عامًا) يُؤكّد أنّ جيلًا جديدًا من الشّباب دُونَ سنّ الثّلاثين هو الذي يقود المُقاومة الفتحاويّة المُتبلورة ويحمل رايتها في تمرّدٍ قويّ ضدّ قِيادةٍ هَرِمَةٍ فاشلةٍ خادمةٍ للاحتِلال انخرطت في مُفاوضاتٍ واتّفاقاتٍ عبثيّة استمرّت 30 عامًا لم تُحَقِّق خِلالها إلا الهوان، وعارُ التّنسيقِ الأمنيّ.

صحيح أنّ حركة الجهاد الإسلامي خسرت اثنين من أبرز قِيادييها الميدانيين في قِطاع غزّة (تيسير الجعبري وخالد نصار)، وأن هذه خسارةٌ كبيرة، ولكنّ الحركة كانت قد خسرت مُؤسّسها الشّهيد الدكتور فتحي الشقاقي، مثلما خسرت أيضًا الدكتور رمضان عبد الله شلح الذي حمل الرّاية من بعده، والعديد من كوادرها في جنين وغزّة، وأبرزهم القائد بهاء أبو العطا، ولكنّها لم تضعف بل ازدادت قُوّةً وفاعليّة، وأصبحت الفصيل الأقوى في الضفّة الغربيّة، والثاني في القِطاع، وهذا إنجازٌ مُهم لأنّ الضفّة هي الأقرب، وميدان المُواجهة الحقيقيّ مع دولة الاحتِلال.
القِيادة الإسرائيليّة بشقّيها السّياسي والعسكري لا تستطيع الانخِراط في حربٍ طويلة، وتهرول دائمًا إلى القاهرة طلبًا لوقفٍ سريع لإطلاق الصّواريخ، وهذه القاعدة انطبقت بشَكلٍ أكثر وضوحًا في حربِ الثّلاثة أيّام الأخيرة، لأنّها وبعد إطلاق ما يَقرُب من الألف صاروخ، واستشهاد 46 مدنيًّا بينهم 16 طِفْلًا، وسبع نساء، وإصابة 360 مدنيًّا، باتت تُدرك (القِيادة الإسرائيليّة) أن نتائج الاستِمرار في الحرب ستكون كارثيّة لعدّة أسباب:

الأوّل: أن صواريخ الجهاد الإسلامي بدأت تتجاوز حُدود مُستوطنات غِلاف غزّة، وأصبحت تضرب تل أبيب، القدس، وأسدود، وعسقلان، وتقترب من مطار اللّد.

الثاني: استِمرار الحرب وتصاعد أعداد الضّحايا سيُشكّل ضغطًا كبيرًا على حركة “حماس” التي اختارت الوقوف في خندق “الحِياد” سواءً بتنسيق أو بُدونه، خاصَّةً أن جناحها العسكري، ومثلما تناهى إلينا، لم يكن راضيًا، أو مُقتنعًا، بمُبرّرات قِيادته السياسيّة لهذا الموقف الذي يُعتبر الأوّل من نوعه مُنذ تأسيس الحركة، وخُروجًا عن ميثاقها.

ثالثًا: بدء تحرّك الشّعوب، وبعض الحُكومات العربيّة، ضدّ هذا العُدوان وإدانته بِما في ذلك بعض الدّول المُطبّعة مع دولة الاحتِلال، وخاصَّةً في مِنطقة الخليج، وانعكس هذا التحرّك الغاصِب بجلاءٍ على وسائط التواصل الاجتماعي وكان الموقف السعودي الذي تجسّد في إدانةٍ سريعة وقويّة للعُدوان، وهُجوم شَرِس على اليهود، والإشادة بالمُقاومة الإسلاميّة مُؤشِّرًا قويًّا في هذا الصَّدد، ويأمل الكثيرون أن يكون جديًّا وبداية تغيير لتغييراتٍ قادمة.

***
الثنائي “نابلس” و”جنين” وتعاظم التحالف بين الجهاد الإسلامي وكتائب شُهداء الأقصى، يُجَسِّد عودةً قويّةً لإرث الانتفاضة المُسلّحة الثانية التي زلزلت الكيان وأمنه واستِقراره وعزله بالتّالي عن العالم بأسره، ولكنّها عودة قد تكون مُختلفةً من حيث استقلاليّتها، في ظِل انهِيار السّلطة، ومعها كُلّ الرّهانات على السّلام مع عدوٍّ لا يحترم اتّفاقاته، ويتغوّل في القتل وجرائم الحرب.
جنازات تشييع شهداء نابلس الثّلاثة، التي شارك فيها الآلاف، وظُهور المُسلّحين المُلثّمين ببنادقهم، وبعضها من نوع “أم 16” المُتطوّرة وغيرها من المدافع الرشّاشة الآليّة من أنواعٍ عديدة، وبعضها مُصنّع محليًّا، هي انعكاسٌ دقيق لخريطة المرحلة المُقبلة وفعاليّاتها المُقاومة للاحتِلال.
أجمل تعليق سمعته أثناء عمليّة التّشييع هذه، صدر عن شخصٍ “مجهول” يقول للذين يُطلِقون الرّصاص من بنادقهم تحيّةً ووداعًا للشّهداء “أرجوكم احتَفِظُوا برصاصكم للأيّام القادمة التي ستكون قاتمة السّواد لقِوى الاحتِلال”.
هل ستتحقّق هذه النّبوءة على أرضِ الضفّة الغربيّة.. لا نستبعد ذلك.. واللُه أعلم…

شاهد أيضاً

خمس نصائح لجعل منزلك بيئة آمنة للأطفال الصغار

لجعل المنزل بيئة آمنة للأطفال يجب تأمين الخزائن والأدراج والأرفف العالية   قدمت “جمعية جودة …