بيروت .. عاصمة الثقافة والكتاب من دون مكتبة “أنطوان”!!!

زياد سامي عيتاني*

بالأمس زادت عتمة ووحشة بيروت الثقافية، وفقد وسطها تجاري واحداً من أهم معالمه الثقافية التاريخية، المتمثل ب “مكتبة أنطوان” التي لفظت أنفسها الأخيرة، بعدما أفرغت رفرفها من الكتب والإصدارات، وأقفلت أبوابها الزجاجية، وسط حالة من الصمت والحسرة!!!
بالتأكيد “مكتبة أنطوان” لا تحتاج للتعريف عن مكانتها في مجال الكتب والنشر. فنتاجاتها ومنجزاتها الثقافية والعلمية منحها، عربياً وعالمياً، جواز سفر بمستوى دبلوماسي في حقلي الكتاب والنشر، لا ينفك أن يخولها ويتيح لها أن تكون في المقدمة وعلى رأس لائحة التصنيفات الخاصة بالمؤسسات المرموقة في قطاع النشر والكتب.
لم يتوقف مركب التجديد والتطوير لدى” مكتبة انطوان يوماً. إذ لا تنفك تذخر أطر عملهما بجرعات إذكاء تفيدها في متابعة مشوار التقدم ومواكبة أحدث آليات الاشتغال والتنويع في أطر ومساقات عملهما…
وفيما يلي حكاية المشوار الطويل لهذا الصرح الثقافي:
****
إفتتح أنطوان نوفل العام 1933 “مكتبة أنطوان” في محلّ يتألف من 30 متراً مربّعاً، وسط العاصمة بيروت، شارع الأمير بشير، في بناية “اللعازارية”، مقابل “التياترو الكبير”، لتشكل نقطة تحول مهمة وعلامة فارقة بالنسبة لعوالم النشر والثقافة والكتاب في لبنان العالم العربي.
وفي مرحلة لاحقة (1935- 1939)، إنضمّ الأخوان بيار وإميل، شقيقا أنطوان، إلى المكتبة، حيثا إهتمّ بيار بشكل خاص بالشقّ المدرسي، بينما تولّى إميل مجال الأدب العام. أمّا أنطوان فتكفل بالشؤون الماليّة والإدارة العامّة.
وهذا التعاضد الأسري للأخوة نوفل، ساهم في إجداء المكتبة لخطط توسعها، التي تترجمت عملياً في العام 1946، مع إفتتاح فرع ثانٍ لها في محلة “باب إدريس”. ومن ثم تتالت مساقات التطوير والتوسع، فشملت محطات عديدة، منها :
فرع ثالث في سنتر “ستاركو” وسط (1960)، ثم أسّس الأخوة الثلاثة “شركة الشرق الاوسط لتوزيع المطبوعات” (1968) بالشراكة مع “الشركة الجديدة الباريسيّة لتوزيع الصحف ” (NMPP)، كما أسّس بيار نوفل “مؤسّسة نوفل”(1970)، وهي دار نشر عربيّة عامّة وشركة لتوزيع الكتب العربيّة.
وفي مرحلة لاحق إنطلقت “مكتبة أنطوان” في مجال نشر الكتب المدرسيّة بالتعاون مع “إيديسيف” (1996). وفي العام 2006 صدرت أولى الكتب المدرسية باللغة العربية.
بعدها إشترت “مكتبة أنطوان” “مؤسّسة نوفل”، وذلك في العام (2009). كما إشترت من دار “بيت الحكمة” للنشر، سلسلة القصص المعروفة باسم الدار أو سلسلة “بيت الحكمة”.. لتصبح قائمة العناوين الصادرة عن مكتبة أنطوان تضم أكثر من 700 عنوان…
لا يمكننا أن نتحدث عن “مكتبة أنطوان”، من دون التعريج بداية، على قرينها التوأم، بل شريكها العضوي في آفاق الفكر والثقافة، على مستوى العالم، مؤسسة/مكتبة “هاشيت” في فرنسا، وشكلتا معاً، مؤسسة عريقة بارزة في مجال النشر، وهي دار نشر “هاشيت أنطوان” عام 2009.
وكان لشراكتهما تلك، كبير الأثر والإسهام في إغناء الساحة الثقافية العربية والعالمية، خاصة وأن “هاشيت” مؤسسة عريقة تأسست عام 1826…
****
وبما أن فروع “مكتبة أنطوان” كانت تقع في وسط بيروت، إضطر مالكو المكتبة إلى إقفالها خلال فترة الحرب المدمرة لتنتقل إلى “شارع الحمراء”، ثم افتتحت فروعاً أخرى لها في بعض المناطق اللبنانية. وحتى اليوم، ما زالت هذه الفروع تمارس نشاطها كالمعتاد. لكنّ أصحابها قرروا العودة إلى وسط بيروت، بعد أربعة عقود من “الهجرة”.
وقد شاء مالكو «أنطوان» ألا تكون عودتهم تقليدية، حيث أعيد افتتاحها في “أسواق بيروت”، داخل مساحات واسعة، ترتفع ثلاث طبقات، حيث تضمّ كل واحدة محتويات محددة.
يضمّ الطابق الأرضي الصحف والمجلات، والعديد من الكتب عن لبنان باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، إضافة إلى الخرائط السياحية، وكل جديد من إصدارات “دار نوفل”، فضلاً عن زاوية للأدوات المكتبية Fabriano.
إلا أنّ الصعود إلى الطابقين الأول والثاني سيكشف أن التوزيع المتخصص ليس وحده من سمات هذا الفرع القديم ـ الجديد.
فالمكتبة المجهزة بشاشات كبيرة لعرض الصور والأفلام، خصّصت الطابق الثاني ليشتمل على أكبر كمية من الكتب المتنوعة. ثمة أيضاً شبّاك لبيع تذاكر الحفلات الموسيقية وغيرها، إضافة إلى زاوية photo gallery، ومقهى يقع قبالته مسرح صغير أعدّ لإحياء بعض المناسبات، مثل توقيع الكتب والأمسيات الشعرية والموسيقية…
****
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي

شاهد أيضاً

من القدس الله أكبر لبيك يا حسين وانتصرت ايران

بقلم ناجي أمهز صوت في قلب فلسطين بعد 1400 عام يشعر أنه ينتصر بكلمة لبيك …