الامام الباقر وإبقاء النهضة الحسينية خالدة في الأمة

 

* جميل ظاهري

لا يختلف اثنان من إن بنو أمية توارثوا حقداً وبغضاً كبيرين لبني هاشم منذ بزوغ شمس الرسالة النبوية المحمدية في السنة العاشرة قبل الهجرة، وهو ما زرعه جدهم الطليق أبو سفيان (صخر بن حرب بن أمية الأكبر) والذي لم يدخل الاسلام سوى بشكل ظاهري وفي يوم فتح مكة بعد أن رأى مرحمة الرسول الاعظم محمد (ص) عندما قال: “من دخل بيت أبو سفيان فهو آمن”، ليطلق عليهم خاتم المرسلين بـ”الطلقاء”، محذراً من مكائدهم وخططهم ضد الاسلام وحذركثيراً من السماح لهم بتولي زمام الأمة لكن الأخيرة وقعت في شراكهم وشركهم عبر “سقيفة بني ساعدة”.

أعمى الحقد والحسد والجاهلية قلوب بنو أمية الطلقاء وأتباعهم ومواليهم قبل أبصارهم، فتوارثوها واحداً بعد آخر من نسل الى آخر حتى يومنا هذا وما من فترة زمنية تمر على الأمة الاسلامية حتى يرسم بنو التكفير (أمية) أو أتباعهم صورة من صور الاجرام الدموي البشع ضد أهل بيت النبوة والرسالة والامامة عليهم السلام وانصارهم وأتباعهم، وما يعيشه شيعة أهل البيت خلال العقدين الماضيين في العراق وباكستان ولبنان وسوريا عبر إرهاب تكفيري دموي مقيت، والانتهاكات الصارخة بحقهم في البحرين وأبناء المنطقة الشرقية بالسعودية إلا نموذج من تلك السياسة الأموية الحاقدة والاجرامية.
تفنن بنو أمية الأجرام بحق أهل البيت وشيعتهم ومحبيهم من القتل بالسيف حتى دس السم والغدر والخيانة والطعن من الخلف بجنح الليل الدامس خلال فترة سلطتهم على رقاب المسلمين والتي بدأها “معاوية بن أبي سفيان” أبن “هند بنت عتبة” آكلة الأكباد وصاحبة الراية الأحمر في مكة، عندما تولى السلطة بأمر من الخليفة الثاني عام 21 للهجرة بعد أن مات أخوه “يزيد بن أبي سفيان” من “طاعون عمواس” حيث كان حاكماً على الشام والذي شمل جميع أنحاء الشام سنة 18 للهجرة (وقيل تأخر موته حتى فتح قيسارية سنة 19 للهجرة)، وكانت فاجعة الطف بكربلاء والتي استشهد خلالها العشرات (72) من خيرة بني هاشم والصحابة والمؤمنين الذين كانوا مع الامام الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهما السلام حتى طفله الرضيع الذي لم يبلغ الأشهر الستة بعد، أبشع صور الحقد الأموي ناهيك عن المؤامرات التي استهدفت اغتيال وقتل الامام الحسن بن علي (ع) رغم توقيع “معاوية” وثيقة السلام معه حتى دس اليه السم عبر زوجته اللعينة”.
لسنا بصدد استعراض الاجرام الأموي كله لأن المقال والمكان والزمان لا يسعان لذلك ومن أراد أن يقف على حقيقة بني أمية عليه مراجعة كتب التاريخ التي كتبت بأقلام كبار علماء ورواة أهل العامة قبل الآخرين ومنها المسانيد والصحاح وتاريخ دمشق وشرح نهج البلاغة لأبي الحديد المعتزلي وغيرها، وما آخر ما كتب بهذا الخصوص هو المقال الذي كتبه الأديب المصري الراحل “أسامة أنور عكاشة” تحت عنوان “هؤلاء هم الرجال الذين اسسوا الدولة الاسلامية” واستند فيه الى مصادر ومراجع معتبرة في التاريخ والسيرة .
تلك الصور لم ولن تكون بعيدة عن الامام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام الذي كان حاضراً في فاجعة الطف بكربلاء وهو في سن الخامسة من عمره الشريف ولم تغب عنه تلك الصورة المأساوية طيلة حياته حتى قتل مسموماً بحقد الطاغية الأموي ونحن نعيش اليوم ذكرى استشهاده المفجع والمؤلم، حيث اغتاله الحاكم الاموي “هشام بن الحكم” المعروف عنه من أكثر حكام بني أمية حقداً وكراهية لآل البيت (ع) ، فقام باعتقال وسجن الامام محمد الباقر (ع) بعد أن ذاع فضله (ع) بين أهل الشام عندما كان الامام الباقر (ع) هناك بأمر من “هشام”، وفي السجن بدأ الامام (ع) يلقي بمحاضراته وعلومه وآدابه أمام السجناء الذين احتفوا به وقدروه تقديراً عظيماً؛ ولما علم بذلك “هشام” أمر باخراجه من السجن وإرجاعه إلى المدينة خوفاً من الفتنة. وهناك كلف واليه في المدنية المنورة “إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك” بدس السم اليه مخلوطاً بالماء والعسل المسموم (الأئمة الاثنى عشر لابن طولون ص281- المناقب ج4 ص 690 والبحار ج11 ص 75).
كان للامام محمد الباقر (ع) والذي نعيش هذه الايام ذكرى استشهاده المؤلم أثر السم الذي دسه اليه ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك والي المدينة على عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك وبأمر منه، في يوم الاثنين السابع من ذي الحجة سنة 114هـجري قمري حيث عانقت روحه الطاهرة أرواح أجداده وأبيه (ع) في الجنة التي وعدهم بها الله جل جلاله، دور كبير في إحياء النهضة الحسينية وروحها الثورية في صفوف الأمة، وإلهاب الحماس في النفوس المؤمنة بالله عزوجل ورسوله (ص) ضد الحكام الظالمين، وجعل الثورة الحسينية حية في نفوس الناس لتمنحهم طاقة ثورية لخوض المواجهة مع الظلم والظالمين في كل الظروف والمناسبات وقتها وظرفها المناسب عبر تأكيده على احياء الشعائر الحسينية وبالطرق التالية:
1ـ الحزن وإقامة مجالس العزاء: حيث كان يقول:”من ذرفت عيناه على مصاب الحسين ولو مثل البعوضة غفر الله له ذنوبه”( بحار الأنوار: 98 / 1)، فقال صاوت الله عليه “من ذرفت عيناه على مصاب الحسين ولو مثل البعوضة غفر الله له ذنوبه”- عوالم العلوم ج 17 ص535، و تفسير القمي ص616، وفي مجالس المفيد، أمالي الطوسي وغيرها.
2ـ الزيارة: حث الامام الباقر (ع) على زيارة قبر جدّه الامام الحسين (ع) لتعميق الارتباط به شخصاً ومنهجاً، واستلهام روح الثورة منه، ومعاهدته على الاستمرار على نهجه.وكان يقول:”مروا شيعتنا بزيارة الحسين بن علي، وزيارته مفروضة على من أقرّ للحسين بالإمامة”- كامل الزيارات ص226، و روضة الواعظین ج1 ص194، والمستدرك ١٠: ٢٤٤، ومر بعينه في الباب: ٢٧، والوسائل ١٤: ٤٤٤؛ ورواه الصدوق في أماليه: ١٢٣، والفقيه ٢: ٣٤٨، والمفيد في المقنعة: ٧٢، والشيخ في التهذيب ٦: ٤٢، عنهم البحار 101: 48، الوسائل 14: 414.
3ـ انشاء الشعر: كما كان (ع) يشجع على قول الشعر في الامام الحسين (ع) وقد بذل من أمواله لنوادب يندبن بمنى أيام الموسم (مقتل الحسين للمقرّم: 106).
ترك الامام أبو جعفر (ع) ثروة فكرية هائلة تعد من ذخائر الفكر الإسلامي، ومن مناجم الثروات العلمية في الأرض وفتق أبوابها، وسائر الحكم والآداب التي بقر أعماقها، فكانت مما يهتدي بها الحيران، ويأوي إليها الظمآن، ويسترشد بها كل من يفيء إلى كلمة الله سبحانه وتعالى؛ حيث وقف حياته الشريفة كلها لنشر العلوم الاسلامية ونشر المثل الانسانية بين الناس، وعاش في مدينة جده (صلى الله عليه وآله وسلم) يثرب كالينبوع الغزير يستقي منه رواد العلم من نمير علومه وفقهه ومعارفه، عاش لا لهذه الأمة فحسب، وإنما عاش للناس جميعاً. وكان له (ع) دور عظيم في تفسير القرآن الكريم فقد استوعب اهتمامه فخصّص له وقتاً، ودوّن أكثر المفسرين ما ذهب إليه وما رواه عن آبائه في تفسير الآيات الكريمة.
قام الامام الباقر صلوت الله عليه بأسمى خدمة للعالم الاسلامي، حيث حرّر النقد من التبعية للامبراطورية الرومية وعلى عهد الحاكم الطاغية الاموي “هشام”، وقت كان النقد يصنع هناك ويحمل شعار الروم النّصارى، وقد جعله الامام (ع) مستقلاً بنفسه يحمل الشعار الاسلامي، وقطع الصلة بينه وبين الروم.

jameelzaheri@gmail.com

شاهد أيضاً

مسيرات حاشدة بمحافظة إب اليمنية في جمعة معركتنا مستمرة حتى تنتصر غزة …

تقرير/ حميد الطاهري شهدت محافظة إب”وسط اليمن ” عصر اليوم مسيرة جماهيرية حاشدة في جمعة …