إيران النوويّة… الغرب اليائس يلعب في الوقت الضائع!

د. عدنان منصور _

في يوم 14 آب 2002 فجَّر المنشق الإيراني علي رضا جعفر زاده، الذي ينتمي إلى منظمة “مجاهدي خلق” الإرهابية، مفأجاة في قاعة المؤتمرات في فندق ويلارد في الولايات المتحدة، أمام حشد من مراسلي الصحافة والتلفزة المحلية والدولية، حيث عرض خريطة لإيران مع إشارة إلى موقعي نطنز وآراك، زاعماً أن إيران تقوم ببناء منشآت نووية سرية، من دون معرفة واشنطن والأمم المتحدة بذلك.

بعد أيام قليلة من المفاجأة، طلبت كلّ من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والهيئة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، من الخارجية الإيرانية السماح لها بزيارة منشأتي نطنز وآراك. كما قامت الأقمار الصناعية الأميركية بالتقاط صور للمواقع النووية في نطنز وأراك، وتسليمها لأحد المراكز المختصة في هذا الشأن.

سمحت طهران لمفتشي الوكالة الدولية بزيارة المواقع النووية التي اعتبر رئيس الجمهورية الأسبق محمد خاتمي مُخصّصة للأغراض السلمية.

ولّد اعتراف إيران الرسمي بوجود مواقع نووية، هيستيريا لدى الغرب، ما جعله يطلق العنان لأجهزة استخباراته لمعرفة مدى ما وصلت إليه إيران في أبحاثها وبرامجها النووية، بغية اتخاذ الإجراءات الضرورية كافة، لحمل طهران على التخلي عن برنامجها النووي، وطي صفحته نهائياً. وهذا ما فتح المجال أمام إجراءات ومفاوضات وعقوبات لاحقة.

لقد سبق لإيران والصين أن أبلغتا الوكالة الدولية عام 1992 عن عزمهما إقامة مشاريع لبناء منشآت التخصيب في إيران، لكن سرعان ما انسحبت الصين من الاتفاقية الثنائية نتيجة الضغوط الأميركية عليها. لكن في عام 1995 تمّ توقيع اتفاق بين طهران وموسكو يقضي ببناء مفاعل نووي في بوشهر، لإنتاج الطاقة للأغراض السلمية. لم تتوقف واشنطن كما “إسرائيل” عن إثارة الملف النووي الإيراني، وإعاقة تنفيذه، لأن الثنائي كان يمارس ضغوطه في كل الاتجاهات ويرفض بالمطلق امتلاك إيران للطاقة النووية السلمية.

استمرّت ضغوط واشنطن وشكوكها، رغم إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 11 تشرين الثاني عام 2003، أن ليس هناك من أدلة تفيد بأن إيران تسعى إلى امتلاك سلاح نووي. إلا أنه بعد يومين، في 13 تشرين الثاني، ادّعت واشنطن أنّ من المستحيل تصديق تقرير الوكالة الدولية.

عام 2003 بدأت المفاوضات بين إيران والثلاثي الأوروبي، فرنسا، بريطانيا، وألمانيا، حول البرنامج النووي الإيراني، والتفتيش الدولي على المنشآت، والبحث عن اتفاق نهائي في هذا المجال.

يوم 31 تشرين الأول عام 2003، أعلنت الوكالة الدولية أن إيران قدمت وصفاً كاملاً لبرنامجها النووي، وفي يوم 11 تشرين الثاني، أعلنت الوكالة الدولية أن ليس هناك من أدلة وبراهين تفيد بأنّ إيران تسعى إلى تصنيع القنبلة الذرية. إلا أنّ واشنطن، وبعد يومين من إعلان الوكالة، ادّعت أنّ من المستحيل تصديق تقرير الوكالة الدولية، علماً أنّ الأمم المتحدة أخذت بتقريرها ولم تشكك به.

من أجل إثبات حسن نياتها، وقعت إيران يوم 18 كانون الأول 2003 على البرتوكول الإضافي لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية NPT، أي بعد شهر من توقفها عن تخصيب اليورانيوم.

تعثرت المفاوضات مع الثلاثي الأوروبي، بسبب تباين في وجهات النظر حول اتفاق نهائي يهدف منه الأوروبيون، وقف البرنامج النووي الإيراني، الذي رفضته إيران على لسان وزير خارجيتها كمال خرازي في حزيران 2004. إذ قامت طهران بإزالة الأختام عن مفاعلاتها، واستعادت نشاط تخصيب اليورانيوم.

في شهر تشرين الأول عام 2004، قدم الاتحاد الأوروبي اقتراحاً لإيران يهدف إلى تزويدها بتكنولوجيا نووية مقابل وقف دائم لبرنامج التخصيب، وهذا ما رفضته طهران وأصرّت على حقها في التخصيب.

يوم 15 تشرين الثاني، تم الاتفاق بين إيران والثلاثي الأوروبي على وقف مؤقت للتخصيب، أثناء جولة ثانية من المفاوضات.

في 9 آب 2005، أصدر مرشد الثورة الأمام الخامنئي فتوى تمنع إنتاج الأسلحة النووية  وتخزينها واستخدامها. وفي شهر تشرين الثاني 2005، صدر تقرير عن الوكالة الدولية يفيد بأن طهران تمنع مفتشي الأمم المتحدة من زيارة المجمع العسكري «بارشين». في 31 كانون الأول 2006، صدر عن الوكالة الدولية تقرير يفيد بأن طهران قامت بتسهيل عمليات التفتيش المطلوبة من قبل الوكالة. رغم ذلك، ونتيجة للضغوط الأميركية والأوروبية يوم 4 شباط 2006، قامت الوكالة الدولية بالتصويت على قرار يحيل إيران إلى مجلس الأمن الدولي. كان الردّ الفوري لطهران تعليق تعاونها مع الوكالة واستئنافها للتخصيب، مع تأكيدها على الالتزام ببرنامجها النووي السلمي.

في شهر آذار 2006، كُشِف النقاب عن عزم أميركيّ لتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران، وفي نيسان أعلن الرئيس الإيراني رسمياً دخول إيران النادي النووي.

منذ ذلك الحين، لم تتوان واشنطن، ولا الاتحاد الأوروبي و»إسرائيل»، عن رصد مستمر ودقيق لبرامج إيران النووية، واستخدام كل الوسائل لوقف التقدم التكنولوجي النووي الإيراني، بما في ذلك وسائل التجسّس، والهجمات الإلكترونية، والاغتيالات، والعمليات الإرهابية التي طالت علماء ذرة، وضباطاً ومسؤولين مرتبطين بالإشراف على البرنامج النووي لبلدهم، بالإضافة إلى سلسلة من العقوبات الأممية التي فرضها مجلس الأمن على إيران من خلال أربعة قرارات عام 2006، و2007، و2008، و2010، طالت أفراداً ومؤسسات، وتجميد أصولهم وحساباتهم، وفرض القيود المالية، والقيود على السفر للأفراد والشركات، وحظر بيع الأسلحة لإيران، واتخاذ تدابير قاسية ضدّ البنوك الإيرانية في الخارج، ووضع شركات تتبع الخطوط البحرية والحرس الثوري على اللائحة السوداء. كما قامت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفرض سلسلة من العقوبات من جانبهما تناولت مؤسسات مالية، والمصرف المركزي، إضافة إلى منع الشركات الأوروبية والأميركية من إقامة مشاريع مشتركة مع الشركات الإيرانية، وحظر بيع وتوريد ونقل معدات الطاقة والتكنولوحيا التي تستخدمها إيران لتكرير الغاز الطبيعي وتسييله والتنقيب عنه وإنتاجه. كما فرض الحظر على كافة العقود الجديدة المتعلقة بشراء ونقل البترول الإيراني الخام، وتمّ تجميد أصول البنك المركزي الإيراني، والتبادلات والتحويلات بين البنوك الأوروبية والإيرانية، واتّسعت مروحة العقوبات لتشمل عشرات الأفراد والمؤسسات والشركات ذات الصلة، علّ هذه العقوبات تحمل إيران على الرضوخ والتوقف عن برنامجها النووي.

مع استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم، أصبح العلماء الإيرانيون هدفاً للاغتيال من قبل الخارج وبالذات من قبل «إسرائيل» التي نفذت ولا تزال حتى اليوم سلسلة من الاغتيالات أودت بحياة عدد من العلماء الإيرانيين الناشطين في البرنامج النووي الإيراني.

أسفرت المفاوضات النووية التي جرت بين إيران ومجموعة 5+1 عام 2015 عن توقيع اتفاق تاريخي، يطمئن الجهات الدولية على سلمية البرنامج النووي، ويفسح المجال أمام عهد جديد من التعاون ورفع العقوبات عن إيران. إلا أنّ «إسرائيل» رفضت بالكامل هذا الاتفاق، وقامت بالتحريض والضغط على الإدارة الأميركية لعدم السير به. فكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب خير معبر عن رغبة «إسرائيل»، ويتماشى مع نظرة العدو، فقرر الانسحاب من الاتفاق بعد ثلاث سنوات على توقيعه.

أعاد ترامب مجدداً العقوبات وألزم دول العالم بها تحت التهديد بفرض العقوبات عليها، وطلب من إيران الجلوس إلى طاولة المفاوضات للبحث في اتفاق جديد.

أمام الرفض الإيراني، فرضت واشنطن المزيد من العقوبات الصارمة اللاإنسانية على طهران من أجل إجبارها على الركوع.

استمرت طهران في التخصيب ورفعت النسبة وفق ما تريده، غير عابئة بالعقوبات والابتزاز والتهويل والتهديد، وخطت خطوات كبيرة وضعت واشنطن وحلفاءها أمام الأمر الواقع، على أنها دولة نووية سلمية، ولا مجال للتراجع، رغم كلّ التهديدات، والعقوبات، والاغتيالات.

الدوائر الغربية قلقة من تخصيب إيران لليورانيوم، والتي تقدر امتلاكها 43 كلغ من اليورانيوم المخصب، بنسبة تخصيب %60، فإذا ما رفعت نسبة التخصيب برأي الخبراء إلى %90، فإنها تستطيع خلال أسابيع قليلة من تصنيع قنبلة ذرية.

لعل هذا الأمر دفع بواشنطن والاتحاد الأوروبي إلى تحريك مجلس محافظي الوكالة الدولية ليصدر قراره يوم 6 حزيران ضد طهران يحثها فيه على التعاون مع تحقيق الوكالة التي لم تتضمن تفسيرات موثوقة لوجود جزيئات اليورانيوم في ثلاثة مواقع. وأن إيران زادت من مخزونها من اليورانيوم المخصب، متهمة إياها بأنها تقترب من إنتاج وقود مخصب يكفي لصنع أسلحة نووية.

في اليوم التالي أصدر كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بياناً منفصلاً، حذرا فيهما من مستوى تخصيب إيران لليورانيوم الذي وصل إلى مستوى يسمح لها بصنع قنبلة ذرية، داعين طهران إلى التعاون الكامل مع الوكالة الدولية.

بعد رفض إيران قرار الوكالة الدولية، من هو المسؤول عما آل إليه البرنامج النووي الإيراني؟! أليس انسحاب واشنطن من الاتفاق، والعجز الفاضح للاتحاد الأوروبي في عدم الوفاء بالتزاماته وانقياده وراء سياسات واشنطن، هو الذي جعل الأمور تتعقد أكثر فأكثر؟! وهل يتصور الغرب أن طهران ستلين أمام العقوبات، والتهديدات الأميركية، وضغوط الاتحاد الأوروبي عليها؟! ألم تكن الوكالة الدولية على مدى ثلاث سنوات منذ توقيع الاتفاق النووي عام 2015، وحتى انسحاب ترامب منه، تصدر بيانات شهرية ودورية، تقر فيها بأن إيران كانت تلتزم، على الدوام، بالاتفاق النووي، ولم يسجل عليها ما يثير الشكوك؟!

إيران لن تعود إلى نقطة الصفر في برنامجها النووي. هي اليوم دولة نووية سلمية تمتلك بالكامل التكنولوجيا النووية، وتستخدم حقها الكامل فيها.

متى ستقر واشنطن ودول أوروبا ذات التاريخ الاستعماري، بأن أسلوب البلطجة وفرض الأمر الواقع لا يسري على إيران، التي هي اليوم بعد 44 عاماً أكثر صلابة وصبراً، ورفضاً، ومقاومة، رغم كلّ العقوبات الشرسة التي فرضت عليها؟

أمام ما جرى في الآونة الأخيرة، من اغتيالات طالت شخصيات علمية وعسكرية إيرانية، واكتشاف خلايا إرهابية نشطة في الداخل الإيراني تعمل لصالح العدو، وشبكات تجسس، وحرب سيبرانية، واحتجاز سفينة نفط إيرانية، وتصعيد اللهجة العسكرية الغربية و»الإسرائيلية» ضدّ طهران، ودفع الوكالة الدولية لاتخاذ قرار يحمّل إيران مسؤولية عدم تجاوبها مع الوكالة، نتساءل عما إذا كانت واشنطن وحلفاؤها في أوروبا و»إسرائيل»، يحضرون لهجوم عسكري مباغت على المنشآت النووية الإيرانية، مدعومين بغطاء قرار الوكالة الدولية، لتكون لهم الحجة والمبرّر «الشرعي» في أي عمل عسكري يشنونه على المفاعلات النووية؟

عام 1997، أعرب رئيس الوزراء «الإسرائيلي» مناحيم بيغين مراراً أنّ «إسرائيل» لن تقبل أبداً أن تكون بمحاذاتها قوى نووية تهدد وجودها! المعادلة تغيرت اليوم. إيران دولة نووية سلمية، وعلى «إسرائيل» المدججة بأسلحة الدمار الشامل أن تقبل رغماً عنها بهذا الواقع، وإن كان البرنامج النووي الإيراني سلمياً، عملاً بفتوى لا تزال سارية المفعول، لكن أمام الاستحقاق المصيري، وبين الموت والحياة، كل شيء يتغير بعد أن تبيح الضرورات المحظوراتِ.

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق

في يوم 14 آب 2002 فجَّر المنشق الإيراني علي رضا جعفر زاده، الذي ينتمي إلى منظمة “مجاهدي خلق” الإرهابية، مفأجاة في قاعة المؤتمرات في فندق ويلارد في الولايات المتحدة، أمام حشد من مراسلي الصحافة والتلفزة المحلية والدولية، حيث عرض خريطة لإيران مع إشارة إلى موقعي نطنز وآراك، زاعماً أن إيران تقوم ببناء منشآت نووية سرية، من دون معرفة واشنطن والأمم المتحدة بذلك.

بعد أيام قليلة من المفاجأة، طلبت كلّ من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والهيئة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، من الخارجية الإيرانية السماح لها بزيارة منشأتي نطنز وآراك. كما قامت الأقمار الصناعية الأميركية بالتقاط صور للمواقع النووية في نطنز وأراك، وتسليمها لأحد المراكز المختصة في هذا الشأن.

سمحت طهران لمفتشي الوكالة الدولية بزيارة المواقع النووية التي اعتبر رئيس الجمهورية الأسبق محمد خاتمي مُخصّصة للأغراض السلمية.

ولّد اعتراف إيران الرسمي بوجود مواقع نووية، هيستيريا لدى الغرب، ما جعله يطلق العنان لأجهزة استخباراته لمعرفة مدى ما وصلت إليه إيران في أبحاثها وبرامجها النووية، بغية اتخاذ الإجراءات الضرورية كافة، لحمل طهران على التخلي عن برنامجها النووي، وطي صفحته نهائياً. وهذا ما فتح المجال أمام إجراءات ومفاوضات وعقوبات لاحقة.

لقد سبق لإيران والصين أن أبلغتا الوكالة الدولية عام 1992 عن عزمهما إقامة مشاريع لبناء منشآت التخصيب في إيران، لكن سرعان ما انسحبت الصين من الاتفاقية الثنائية نتيجة الضغوط الأميركية عليها. لكن في عام 1995 تمّ توقيع اتفاق بين طهران وموسكو يقضي ببناء مفاعل نووي في بوشهر، لإنتاج الطاقة للأغراض السلمية. لم تتوقف واشنطن كما “إسرائيل” عن إثارة الملف النووي الإيراني، وإعاقة تنفيذه، لأن الثنائي كان يمارس ضغوطه في كل الاتجاهات ويرفض بالمطلق امتلاك إيران للطاقة النووية السلمية.

استمرّت ضغوط واشنطن وشكوكها، رغم إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 11 تشرين الثاني عام 2003، أن ليس هناك من أدلة تفيد بأن إيران تسعى إلى امتلاك سلاح نووي. إلا أنه بعد يومين، في 13 تشرين الثاني، ادّعت واشنطن أنّ من المستحيل تصديق تقرير الوكالة الدولية.

عام 2003 بدأت المفاوضات بين إيران والثلاثي الأوروبي، فرنسا، بريطانيا، وألمانيا، حول البرنامج النووي الإيراني، والتفتيش الدولي على المنشآت، والبحث عن اتفاق نهائي في هذا المجال.

يوم 31 تشرين الأول عام 2003، أعلنت الوكالة الدولية أن إيران قدمت وصفاً كاملاً لبرنامجها النووي، وفي يوم 11 تشرين الثاني، أعلنت الوكالة الدولية أن ليس هناك من أدلة وبراهين تفيد بأنّ إيران تسعى إلى تصنيع القنبلة الذرية. إلا أنّ واشنطن، وبعد يومين من إعلان الوكالة، ادّعت أنّ من المستحيل تصديق تقرير الوكالة الدولية، علماً أنّ الأمم المتحدة أخذت بتقريرها ولم تشكك به.

من أجل إثبات حسن نياتها، وقعت إيران يوم 18 كانون الأول 2003 على البرتوكول الإضافي لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية NPT، أي بعد شهر من توقفها عن تخصيب اليورانيوم.

تعثرت المفاوضات مع الثلاثي الأوروبي، بسبب تباين في وجهات النظر حول اتفاق نهائي يهدف منه الأوروبيون، وقف البرنامج النووي الإيراني، الذي رفضته إيران على لسان وزير خارجيتها كمال خرازي في حزيران 2004. إذ قامت طهران بإزالة الأختام عن مفاعلاتها، واستعادت نشاط تخصيب اليورانيوم.

في شهر تشرين الأول عام 2004، قدم الاتحاد الأوروبي اقتراحاً لإيران يهدف إلى تزويدها بتكنولوجيا نووية مقابل وقف دائم لبرنامج التخصيب، وهذا ما رفضته طهران وأصرّت على حقها في التخصيب.

يوم 15 تشرين الثاني، تم الاتفاق بين إيران والثلاثي الأوروبي على وقف مؤقت للتخصيب، أثناء جولة ثانية من المفاوضات.

في 9 آب 2005، أصدر مرشد الثورة الأمام الخامنئي فتوى تمنع إنتاج الأسلحة النووية  وتخزينها واستخدامها. وفي شهر تشرين الثاني 2005، صدر تقرير عن الوكالة الدولية يفيد بأن طهران تمنع مفتشي الأمم المتحدة من زيارة المجمع العسكري «بارشين». في 31 كانون الأول 2006، صدر عن الوكالة الدولية تقرير يفيد بأن طهران قامت بتسهيل عمليات التفتيش المطلوبة من قبل الوكالة. رغم ذلك، ونتيجة للضغوط الأميركية والأوروبية يوم 4 شباط 2006، قامت الوكالة الدولية بالتصويت على قرار يحيل إيران إلى مجلس الأمن الدولي. كان الردّ الفوري لطهران تعليق تعاونها مع الوكالة واستئنافها للتخصيب، مع تأكيدها على الالتزام ببرنامجها النووي السلمي.

في شهر آذار 2006، كُشِف النقاب عن عزم أميركيّ لتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران، وفي نيسان أعلن الرئيس الإيراني رسمياً دخول إيران النادي النووي.

منذ ذلك الحين، لم تتوان واشنطن، ولا الاتحاد الأوروبي و»إسرائيل»، عن رصد مستمر ودقيق لبرامج إيران النووية، واستخدام كل الوسائل لوقف التقدم التكنولوجي النووي الإيراني، بما في ذلك وسائل التجسّس، والهجمات الإلكترونية، والاغتيالات، والعمليات الإرهابية التي طالت علماء ذرة، وضباطاً ومسؤولين مرتبطين بالإشراف على البرنامج النووي لبلدهم، بالإضافة إلى سلسلة من العقوبات الأممية التي فرضها مجلس الأمن على إيران من خلال أربعة قرارات عام 2006، و2007، و2008، و2010، طالت أفراداً ومؤسسات، وتجميد أصولهم وحساباتهم، وفرض القيود المالية، والقيود على السفر للأفراد والشركات، وحظر بيع الأسلحة لإيران، واتخاذ تدابير قاسية ضدّ البنوك الإيرانية في الخارج، ووضع شركات تتبع الخطوط البحرية والحرس الثوري على اللائحة السوداء. كما قامت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفرض سلسلة من العقوبات من جانبهما تناولت مؤسسات مالية، والمصرف المركزي، إضافة إلى منع الشركات الأوروبية والأميركية من إقامة مشاريع مشتركة مع الشركات الإيرانية، وحظر بيع وتوريد ونقل معدات الطاقة والتكنولوحيا التي تستخدمها إيران لتكرير الغاز الطبيعي وتسييله والتنقيب عنه وإنتاجه. كما فرض الحظر على كافة العقود الجديدة المتعلقة بشراء ونقل البترول الإيراني الخام، وتمّ تجميد أصول البنك المركزي الإيراني، والتبادلات والتحويلات بين البنوك الأوروبية والإيرانية، واتّسعت مروحة العقوبات لتشمل عشرات الأفراد والمؤسسات والشركات ذات الصلة، علّ هذه العقوبات تحمل إيران على الرضوخ والتوقف عن برنامجها النووي.

مع استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم، أصبح العلماء الإيرانيون هدفاً للاغتيال من قبل الخارج وبالذات من قبل «إسرائيل» التي نفذت ولا تزال حتى اليوم سلسلة من الاغتيالات أودت بحياة عدد من العلماء الإيرانيين الناشطين في البرنامج النووي الإيراني.

أسفرت المفاوضات النووية التي جرت بين إيران ومجموعة 5+1 عام 2015 عن توقيع اتفاق تاريخي، يطمئن الجهات الدولية على سلمية البرنامج النووي، ويفسح المجال أمام عهد جديد من التعاون ورفع العقوبات عن إيران. إلا أنّ «إسرائيل» رفضت بالكامل هذا الاتفاق، وقامت بالتحريض والضغط على الإدارة الأميركية لعدم السير به. فكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب خير معبر عن رغبة «إسرائيل»، ويتماشى مع نظرة العدو، فقرر الانسحاب من الاتفاق بعد ثلاث سنوات على توقيعه.

أعاد ترامب مجدداً العقوبات وألزم دول العالم بها تحت التهديد بفرض العقوبات عليها، وطلب من إيران الجلوس إلى طاولة المفاوضات للبحث في اتفاق جديد.

أمام الرفض الإيراني، فرضت واشنطن المزيد من العقوبات الصارمة اللاإنسانية على طهران من أجل إجبارها على الركوع.

استمرت طهران في التخصيب ورفعت النسبة وفق ما تريده، غير عابئة بالعقوبات والابتزاز والتهويل والتهديد، وخطت خطوات كبيرة وضعت واشنطن وحلفاءها أمام الأمر الواقع، على أنها دولة نووية سلمية، ولا مجال للتراجع، رغم كلّ التهديدات، والعقوبات، والاغتيالات.

الدوائر الغربية قلقة من تخصيب إيران لليورانيوم، والتي تقدر امتلاكها 43 كلغ من اليورانيوم المخصب، بنسبة تخصيب %60، فإذا ما رفعت نسبة التخصيب برأي الخبراء إلى %90، فإنها تستطيع خلال أسابيع قليلة من تصنيع قنبلة ذرية.

لعل هذا الأمر دفع بواشنطن والاتحاد الأوروبي إلى تحريك مجلس محافظي الوكالة الدولية ليصدر قراره يوم 6 حزيران ضد طهران يحثها فيه على التعاون مع تحقيق الوكالة التي لم تتضمن تفسيرات موثوقة لوجود جزيئات اليورانيوم في ثلاثة مواقع. وأن إيران زادت من مخزونها من اليورانيوم المخصب، متهمة إياها بأنها تقترب من إنتاج وقود مخصب يكفي لصنع أسلحة نووية.

في اليوم التالي أصدر كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بياناً منفصلاً، حذرا فيهما من مستوى تخصيب إيران لليورانيوم الذي وصل إلى مستوى يسمح لها بصنع قنبلة ذرية، داعين طهران إلى التعاون الكامل مع الوكالة الدولية.

بعد رفض إيران قرار الوكالة الدولية، من هو المسؤول عما آل إليه البرنامج النووي الإيراني؟! أليس انسحاب واشنطن من الاتفاق، والعجز الفاضح للاتحاد الأوروبي في عدم الوفاء بالتزاماته وانقياده وراء سياسات واشنطن، هو الذي جعل الأمور تتعقد أكثر فأكثر؟! وهل يتصور الغرب أن طهران ستلين أمام العقوبات، والتهديدات الأميركية، وضغوط الاتحاد الأوروبي عليها؟! ألم تكن الوكالة الدولية على مدى ثلاث سنوات منذ توقيع الاتفاق النووي عام 2015، وحتى انسحاب ترامب منه، تصدر بيانات شهرية ودورية، تقر فيها بأن إيران كانت تلتزم، على الدوام، بالاتفاق النووي، ولم يسجل عليها ما يثير الشكوك؟!

إيران لن تعود إلى نقطة الصفر في برنامجها النووي. هي اليوم دولة نووية سلمية تمتلك بالكامل التكنولوجيا النووية، وتستخدم حقها الكامل فيها.

متى ستقر واشنطن ودول أوروبا ذات التاريخ الاستعماري، بأن أسلوب البلطجة وفرض الأمر الواقع لا يسري على إيران، التي هي اليوم بعد 44 عاماً أكثر صلابة وصبراً، ورفضاً، ومقاومة، رغم كلّ العقوبات الشرسة التي فرضت عليها؟

أمام ما جرى في الآونة الأخيرة، من اغتيالات طالت شخصيات علمية وعسكرية إيرانية، واكتشاف خلايا إرهابية نشطة في الداخل الإيراني تعمل لصالح العدو، وشبكات تجسس، وحرب سيبرانية، واحتجاز سفينة نفط إيرانية، وتصعيد اللهجة العسكرية الغربية و»الإسرائيلية» ضدّ طهران، ودفع الوكالة الدولية لاتخاذ قرار يحمّل إيران مسؤولية عدم تجاوبها مع الوكالة، نتساءل عما إذا كانت واشنطن وحلفاؤها في أوروبا و»إسرائيل»، يحضرون لهجوم عسكري مباغت على المنشآت النووية الإيرانية، مدعومين بغطاء قرار الوكالة الدولية، لتكون لهم الحجة والمبرّر «الشرعي» في أي عمل عسكري يشنونه على المفاعلات النووية؟

عام 1997، أعرب رئيس الوزراء «الإسرائيلي» مناحيم بيغين مراراً أنّ «إسرائيل» لن تقبل أبداً أن تكون بمحاذاتها قوى نووية تهدد وجودها! المعادلة تغيرت اليوم. إيران دولة نووية سلمية، وعلى «إسرائيل» المدججة بأسلحة الدمار الشامل أن تقبل رغماً عنها بهذا الواقع، وإن كان البرنامج النووي الإيراني سلمياً، عملاً بفتوى لا تزال سارية المفعول، لكن أمام الاستحقاق المصيري، وبين الموت والحياة، كل شيء يتغير بعد أن تبيح الضرورات المحظوراتِ.

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق

شاهد أيضاً

إمام استقبل وفدًا من قوى الامن في مدينة طرابلس: “حفظ الأمن في المدينة اولوية”

استقبل مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام في مكتبه في دار الفتوى في مدينة طرابلس …