باقات الخير قراءة في لوحة (حاصدات بقايا السّنابل) للرسّام العالمي جان فرنسوا ميليه ( 1875 – 1814)

بقلم الدكتورة :بهيّة أحمد الطشم

تنهمك الايادي المُناضلة تحت عين الشمس في جمع بقايا سنابل القمح ,فتجني بحُب خير وبركات موسم حصاد زاخرٍ بالعطاء.
لا شيء يُحيل بين النساء النشيطات وبين ممارسة عملهم بكدٍ ساطع يروي حكاية التعب البهيّ في رحلة الحياة ومقتضيات العيش بكرامة.
ولعلّنا نستذكر بجدير الاعجاب مقولة ذهبية ألا وهي أنّ العمل يُبعد عن الانسان الآفات الآتية: “السّأم,الرذيلة, والحاجة.”,وينسجم في الاطار عينه قول جبران خليل جبران فيلسوف الريشة والقلم وصاحب كتاب دمعة وابتسامة: “ويلٌ لأمة تأكل مما لا تزرع ,تشرب ممّا لا تعصر وتلبس ممّا لا تنسج .”

 

تعكس الأيقونة التي نحن بصددها معاني العطاء العارم بالرغم من قساوة الظروف عند الفئات الكادحة (الفلاحين),وقد رسمتها ريشة الرسّام العالمي ميليه مؤسس مدرسة لوكزينون ورائد الفن الواقعي .
وتحظى اللوحة بالاجماع من قِبل النقاد كونها تمثّل احدى روائع الفن الكلاسيكي العالمي,بالرغم من أنّها اثارت جدلاً واسعاً في فرنسا حينها بخصوص تصوير الفلاحين بموقع النبلاء.
كما وتنبثق أصالة “مصوّر الفلاّحين” من كونه رفض المُسلّمات الكلاسيكية ف(ميليه )المنحدر من عائلة فلاّحية صغيرة وهو الذي أصرّ على تصوير الحياة البسيطة للفلاحين في لوحاته.

وبالعودة الى اللوحة,فقد أسبغ صاحب الأيقونة الخالدة أهمية فائقة على عناصر اللوحة سيّما التفاصيل وحركة الجسد وتوزيع الألوان ,وقد لُقّب بمصوّر الفلاحين ,ولا غرابة أن يكرّس فنّه لتصوير حياة الريف, ويُسبغ على الفلاحين في لوحاته سِمات البطولة.

وفي سِياق استكمال توصيف الأيقونة وفلسفة ألوانها:تنحني الأجساد نحو منبع الخير ابّان جمع المواسم لكي لا تنحني الهامات من ألم العوز أو الحاجة للآخر ,حيث تغطي رؤوس النساء (نجمات اللوحة) شرف العمل تحت مركز الكون (الشمس) رغم ذروة الحَرّ ,ولكن بالرغم من ذلك تعمل الكادحات بجدِ عارم لا يكلّ البتّة.
وتظهر في الآن عينه الأشجار الغضّة والسّامقة على أقصى يمين اللوحة كي تبلور الشموخ المتماهي مع عناصر اللوحة,حيث يتحدّى الاصرار رياح الظروف الغامضة المختلفة.
وتعكس الربطة المُحكمة في وسط أثواب النسوة (مرتع السنابل) كي تضمن عدم تناثره في الأرض,فالتعب هو ابن الروح المُثابرة و المُكافحة في رحلة الحياة الشّاقة.
كما تعكس الفساتين ذات الألوان الداكنة للنساء بمقابل الحقل الذّهبي المُشع قوة المرأة الهائلة.
وكذلك يبثّ اللون الأصفر الأخّاذ سُطوعاً وهّاجاً يصدح بالألق الاستثنائي , لنُدرك كنه الجمال المترنّم في حقول الذهب ,كما وتظهر في الخلفية أكوام سنابل الخير الوفير من الحصاد.
ويدلّل الضوء الدافىء الى معنى مقدّس في هذه اللوحة,اذ يعبّر عن النضال من أجل البقاء ,وتُعتبر اللوحة من أفضل السّبل المتجسّدة بالاسقاط الفني النفسي لنقل الاحساس بالمعاناة والارهاق في حياة الفلاحين اليومية.
وفي الخلاصة,نلتمس حكمة ساطعة ألا وهي : أنّ شمس العطاء هي مشرقة دوماً مهما بلغ مبلغ استبداد الظروف الحالكة.

شاهد أيضاً

بالأرقام كم سجّلت درجات الحرارة في مختلف المناطق.. وماذا ينتظر لبنان غدًا؟

أعلن المتخصص بالأحوال الجويّة الأب إيلي خنيصر، أنّ “درجات الحرارة لامست أثناء ذروة الموجة اللاهبة …