حتى العيدية التي كانت ذهباً حرم منها الأطفال ورقاً هذا العام!!

 

زياد سامي عيتاني*

ينتظر الأولاد بشغف يوم العيد للحصول على عيديتهم، التي يوزعها الأهل على أولاد العائلة في أيام العيد، من أولادهم إلى أولاد الأخ والأخت ومَن حضر من أطفال، أقارب كانوا أم جيرانا.
وهي تعكس أولاً صلة الرحم بالدرجة الأولى التي أوصى بها القرآن الكريم ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعكس العطف والمودة والمحبة في المجتمع.

وتقسم العيدية قسمة عادلة بين الأبناء، فيعطى كل واحد منهم بحسب عمره. ويقوم الإخوة الكبار خاصة العاملين منهم بمنح العيدية لإخوانهم الأصغر سنا، فيكون الصغار أكثر الرابحين في العيد.
ويعتمد المبلغ المادي في العيدية على عمر الطفل والقدرة الاقتصادية لمن يوزع العيدية. وكان الأطفال في السابق يلبسون الملابس الجديدة ويطوفون الأحياء والبيوت ويعودون بعد ذلك للمنزل يحصون ما جمعوه من عيدية، ويجتمعون آخر يوم في العيد لإحصاء “غنائمهم” والتباهي بمن جمع أكثر…
إلا أن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالمجتمع اللبناني ألقت بثقلها على تقاليد العيد خلال السنتين الماضيتين، فأضحت العيدية إما هزيلة، أو متغاضى عنها!
فالتأثيرات السلبية للأزمة الاقتصادية على معظم العائلات في لبنان وإرتفاع الأسعار وكل ما يؤثر على قدرة الناس الشرائية بصفة عامة، أخفت الفرحة بالعيد، بما في ذلك “عيدية الأطفال”!!!
****
•معنى “العيدية”
إن “العيدية” كلمة عربية منسوبة إلى العيد وتعني العطاء أو العطف، ومشتقة من العود على قول الإمام ابن الأنباري إنه يسمى عيدا نسبة للعود في الفرح والمرح، وجمع على أعياد بالياء للفرق بينه وبين أعواد الخشب، وقيل إن أصله عود بكسر العين وسكون الواو، فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها مثل ميعاد ليصبح عيداً مباركاً يزورنا سنوياً محملا بعيديات في صورة هدايا متطورة من عصر إلى آخر.
و”العيدية” لفظ اصطلاحي أطلقه الناس على ما كانت توزعه الدولة أو الأوقاف من نقود في عيد الفطر وعيد الأضحى كتوسعة على أرباب الوظائف· وكانت هذه العيدية تعرف باسم “الرسوم”في الدواوين، بينما أطلق عليها في وثائق الأوقاف مصطلح “التوسعة”·
****
•أصل وتاريخ العيدية:
“العيدية” من العادات التي رسختها التقاليد والمظاهر الإحتفالية بالعيد منذ زمن الدولة الفاطمية، ولم يقض عليها مرور الأيام وتغيرات النقود. كان الخلفاء يوزعونها على الفقهاء وقرّاء القرآن الكريم مقادير مختلفة من الدنانير الفضية، ومعها مبالغ من دنانير الذهب.
واكتفت الدولتان الأيوبية والمملوكية بصرفها للجنود من المماليك، خصوصاً في عيد الأضحى مثلما كان الحال في زمن الفاطميين.
حكايات ومفارقات تاريخية ترتبط بالعيدية من عهد الفاطميين والمماليك أيام الدنانير الذهبية والفضية إلى عصر الموبايل والإنترنت، حيث يتبارى الشباب في تبادل الهدايا الإلكترونية عبر المنتديات والمواقع الاجتماعية مثل “الفايسبوك” و”تويتر” من أجل الشعور بالبهجة دون مبالاة بقيمتها النقدية أو قابليتها للصرف.
و”العيدية” لفظ اصطلاحي أطلقه الناس على ما كانت توزعه الدولة أو الأوقاف من نقود في عيد الفطر وعيد الأضحى كتوسعة على أرباب الوظائف· وكانت هذه العيدية تعرف باسم “الرسوم”في الدواوين، بينما أطلق عليها في وثائق الأوقاف مصطلح “التوسعة”·
****
•ذهب المعز وسيفه:
وتمثل العيدية المتداولة في الأعياد عادة قديمة بدأت منذ العصر الفاطمي مع كعك العيد، عندما كان الخليفة المعز لدين الله الفاطمي يمنح أمراء الدولة “سرة من الدنانير” في المناسبات.
ويرجع ظهور العيدية كمنحة لموظفي الدواوين الحكومية والوزارات لسياسة “الترغيب والترهيب” التي اتبعها الخليفة المعز لدين الله والمعروفة تاريخياً ب”ذهب المعز وسيفه”، تيمنا بما فعله الخليفة الفاطمي عندما اختلف المصريون على صحة نسبه إلى البيت النبوي، فوقف وسط جموع الشعب في مسجد عمرو بن العاص شاهرا سيفه وقائلاً: “هذا نسبي”، ثم نثر بعض الذهب على رؤوسهم مردداً: “هذا حسبي”.
وتم توزيع “ذهب المعز” أيضا كعطايا عندما يذهب الناس إلى قصر الخليفة الفاطمي لتهنئته صباح يوم العيد، إذ كان الخليفة يطل عليهم من شرفة أعلى باب القصر ليفرق عليهم الدراهم الفضية والدنانير الذهبية، وعرفت تلك النقود باسم العيدية لارتباط الحصول عليها بقدوم العيد.
ولم تتوقف الدولة الفاطمية عن منح العيدية إلا في آخر أيامها عندما اضطربت الأحوال الداخلية بسبب الحملات الصليبية على بلاد الشام وأطراف مصر الشرقية، وعلى يد صلاح الدين الأيوبي توقف موقتاً دور الدولة في صرف العيدية أو الرسوم لأرباب الوظائف المدنية، واكتفت الدولتان الأيوبية والمملوكية بصرفها للجنود من المماليك وبصفة خاصة في عيد الأضحى.
****
•”الجامكية” المملوكية:
وفي العصر المملوكي كان السلطان يقدم راتباً إلى الأمراء والجنود لمناسبة العيد، وفقاً لرتبة كل منهم ويحصل الأقل رتبة على عيدية أقل مما يحصل عليها الأعلى رتبة.
وكثيرا ما تعرض بعض سلاطين المماليك لاعتداءات بسبب ضآلة نفقة العيد أو التأخر في تقديمها، وربما ترتب على تذمر المماليك عزل السلطان عند فشله في إرضاء رغبات مماليكه.
أطلقت على العيدية المتداولة أيام المماليك تسمية “الجامكية” وتنوعت أشكالها، فكانت تقدم إلى البعض على شكل طبق مملوء بالدنانير الذهبية، وإلى آخرين كدنانير من الفضة، كما اتخذت العيدية صورة الحلويات والمأكولات الشهية والملابس الفاخرة والبالونات والألعاب وغيرها.
وكان المسلمون يعتبرون أن الدنانير والدراهم هي النقود الشرعية، بينما كانوا ينظرون إلى الفلوس النحاسية على أنها عملات مساعدة تستخدم فقط لشراء الأشياء البسيطة، للفارق الكبير بين قيمتيها الاسمية والجوهرية كنحاس رخيص.
ولكن قبل منتصف عمر دولة المماليك، اختفت الدراهم الفضية وصارت الفلوس النحاسية سائدة في التعامل حتى أن الشخص الذي يقع في يده دينار من الذهب الأحمر، كان – حسبما قال المقريزي – كمن جاءته البشارة بالجنة ويسعد بالعيدية النحاسية.
****
•”الفندقلي” العثمانية:
وابان عصر الدولة العثمانية ولاسيما في القرن الثاني عشر للهجرة حرص سلاطين آل عثمان على ضرب عملات تذكارية خاصة توزع على كبار رجال الدولة في عيدي الفطر والأضحى ولكنها كانت توزع باعداد قليلة نظرا لثقل وزنها الذي يتخطى تسعة جرامات، وقد اطلق على هذا النوع من العملات الثقيلة اسم “فندقلي” العيدية المجوز·
و”الفندقلي” اسم لعملة ذهبية عثمانية امتازت دوما بارتفاع عيارها· وتعتبر فندقليات العيدية آخر مظاهر اهتمام الدولة الإسلامية في العصور الوسطى بالعيدية وكان توزيعها يقتصر على كبار رجال الدولة من العسكريين مع نفر من كبار موظفي الدواوين·
****
بالرغم من التحول في كيفية صرف العيدية من الذهب إلى العملة الورقية، ومن الدول إلى الأفراد، فإن أطفال لبنان الجريح كثير منهم حرموا منها هذا العام!!!
****
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي

شاهد أيضاً

المرصد الأوروبي: القاضية غادة عون لعبت دورا بمكافحة الفساد وهناك من يحاول اسكاتها

اشار المرصد الاوروبي للنزاهة في لبنان عبر حسابه الخاص على مصنة “اكس” الى ان القاضية …