مَوئل النور

قراءة تحليلية في لوحة مقام النبي شعيب(ع) في فلسطين

بريشة الرسّام شوقي دلال
وبقلم الدكتورة بهيّة أحمد الطشم

نخوض في غِمار الاشراق الايماني المتوهّج والمنبثق بسُطوعِ فائق من حنايا مقام النبي شعيب (ع) (خطيب الأنبياء)في قرية حطين في فلسطين الأبيّة.

 

ويستهوي فُضولنا المعرفيّ البحث في ما هو أعمق من الأعاميق المعهودة في سِياق الاستقراء الفلسفي لأبرز المعالم الدينية ,ولنحاول أن نستقطف بعض آيات سِحرها وعبقها الوجداني العارم,ذلك أنّ المقام الشريف ينضوي على أهمية مرموقة في تاريخ الديانة الاسلامية عموماً وعند الطائقة الدرزية الكريمة خصوصاً.
فصاحب المقام هو سيّد الكلام الحكيم استناداً لأهمّ ألقابه (خطيب الأنبياء) ,حيث مارس دوره الريادي في هِداية البشرية وتوجيه الفكر الانساني الى جوهر الحكمة (نور العقول والقلوب) لكي يتسلّح الناس بمزايا الاعتدال والخير بمنأى عن أصناف الشّر وألوانه.
اذاً يحظى مرقد النبي شعيب(ع) بأهمية مرموقة على اعتبار أنّ صاحبه لجأ في أواخر حياته لكهف قرب قرية حطين القريبة من بحيرة طبريا وتوفيّ في نفس المكان.
وابّان التأمّل الامعاني لحنايا الأيقونة تتماهى القلوب الخاشعة في الانوجاد الحقيقي وتستقر في أوج الورع ولو لبرهة زمنية في زمان الوجود.
ذلك أنّنا نتأمّل في أروقة المقام تأمّل زاهد تجاوز مسافة الذّات في النظرة الى العالم,وارتقى بنفسه الى العالم الروحاني – العرفاني….كعالم من المونادولوجيا المُثيرة للفضول المعرفي في استكشاف

مكامن الجلال ,حيث نقرأ بروحٍ من المسؤولية معالم المكان ودلالاته السيميائية,فنرتفع عن ذواتنا وكأنّنا بصدد كوسمولوجيا الرقيّ العارم,الذي يحرّك الشّغف اللاأرضي ويهزّ الأعماق السّاكنة او الهادئة بمقتضاه.
تصوغ الألوان الدافئة التي تزدان بها الأيقونة استتباب طمأنينة لا تكلأ وبأقصى اندفاع متناسق مع أعلى خير,فينسج اللون الأبيض خيوط النور في أرجاء المكان ليملأ خلايا الروح بعبق الأيمان.,اذ نستشف مدى الأهمية لموئل النوروبثاقب النظر وكذلك بالبصيرة الفذّة من خلال فلسفة الهندسة لمعالم المكان والتي تنمّ عن وقار استثنائي ينفذ الى القلوب كما ينفذ الضوء في الزوايا المُعتمة.
كما تتسم القناطر بالاتفاع الشّاهق,لتعبّر أجلّ تعبير عن مبلغ الوقار الفائق…..وحِيال ضخامة الأعمدة في مكان العبادة ومرتع الورَع على المستوى الايقونوغرافي فهي دليل ساطع على الجلال الذي يؤطر هالة المكان…
وتُلفت أنظارنا شجرة غضة على الجهة اليمنى للوحة,حيث تتسامق أغصانها بشموخ ساطع,ويكاد جذعها المتجذّر في عمق التربة أن يروي حكايات نابضة بالتفاصيل المشوّقة….
وبالتالي, لا يشوّش الانسجام الروحي أي ضدِ له,اذ يسمو بالنفوس الى ما فوق المحسوس أو الى الماهوية في لَدُن الجوهرية للايمان,لتنعم النفوس بتبريكات المقام المقدّس ومرتع الاطمئنان في حالة من الانبجاس العِشقي ازاء مزايا المكان,سيّما وأّنه في قلب فلسطين النابضة بالثورة دوماً لاحقاق حقّها الكِياني,االعِياني والوجودي.
اذاً,تتحرر النفوس من ربقة النقص, وبحماسة متماهية مع صلاة القلوب ,وبمنأى عن ربقات التعصّب, وتتأمّل في معراجها الفكري لترتفع فوق الشقاء,وتنفك من عِقاله لتبني نفسها من جديد وتُثرِي كينونتها في الكون العام.

ويبقى القول: ما أرقى أن نلبث كثيراً في دنيا رحبة الآفاق لقداسة المكان ,وبعيداً عن دُنيانا الماكثة في خضّم التناقضات لأننا أحَوج الى استيطان الايمان المُشرق في النفوس كالفاتح المستوطن ببهاء قوته والمُهاجر عن ما قبل الايمان اليه ,والى ما بعده!

شاهد أيضاً

طرابلس عاصمة للثقافة العربية

المرتضى اطلع من بيار عازار على الوضع الثقافي والانمائي لمنطقة كسروان بحث وزير الثقافة القاضي …