الإنفجار الإجتماعي وسقوط الهيكل

بقلم:عفيف قاووق

ها قد مضى على تشكيل حكومة “مواجهة التحديات” ما يقارب الستة أشهر ولا زلنا بإنتظار ان تُقدم لنا الحلول والمعالجات لهذه التحدّيات التي لم تكن خافية على أحد ولم تكن مفاجئة لهذه الحكومة التي يُفترض ان تكون على علمٍ مسبق بما ينتظرها، وقبلت “التحدي” على أساسها. إلا ان الحقيقة تنبيء بأن الأحوال تنذر بالأسوأ. وباتَ الجميع يتحضر للتكيّف مع  الانهيار الشامل والفوضى بعد ان فقد الأمل بالإنقاذ، في ظل شعور عارم انّ فرَص الخروج من المأزق ضئيلة للغاية إن لم تكن معدومة مع هكذا حكومة، وهذه الطبقة الحاكمة وكيفية تعاملها مع الأزمات .

  بالأمس قدم وزير الخارجية الأستاذ ناصيف حتّي إستقالته من هذه الحكومة، وقد ختم بيان إستقالته بهذه الفقرة” شاركت في هذه الحكومة من منطلق العمل عند رب عمل واحد إسمه لبنان، فوجدت في بلدي أرباب عمل ومصالح متناقضة..” ما أشار إليه الوزير في إستقالته يؤكد بشكل أو بآخر إن هذه الطبقة السياسية  بأقطابها وسماسرتها من الفاسدين حوّلوا الدولة  الى دويلات ، لكل منهم منطقته وميدانه. زعماء وأمراء حرب دخلوا عالم السياسة فكان الفساد والإفساد والسيطرة على مقدرات البلد، السمة الوحيدة والمشتركة التي تناسب مهاراتهم. تاجروا بكل شيء، بطوائفنا وشوارعنا المذهبية ومدّخراتنا ومستقبل أجيالنا، وهم بصدد بيع كل شيء- ما تحت الأرض وفوقها- .ومارسوا وضع اليد على كل موردٍ من موارد هذه البلاد.  هذه الطبقة من السياسيين والسماسرة قلبت الموازين واغتالت منظومة القيم، وقضت على كل القطاعات الإنتاجية حتى صرنا نتسكع على أبواب الدول شرقية كانت أم غربية ونستجدي المساعدات من المجتمع الدولي مع أننا  نتغنى بكفاءة وذكاء وإبداع الإنسان اللبناني ونجاحاته في مختلف الصعد وفي مشارق الارض ومغاربها.

 لقد دخل البلد في مرحلة الخطر الشديد كون هذه الحكومة وُلدت مكبّلة  وهي عاجزة عن القيام بما كان يؤمل منها، وخيّبت آمال المواطنين الذين راهنوا عليها لاتخاذ الخطوات العلاجية المطلوبة  لوقف الانهيار الذي يواصل انزلاقه نحو القعر، ما يعني انّ الخروج من الأزمة أصبح مستحيلاً. خاصة إذا إستمر زعماء القوی السياسية، الذين لايستطیعون التخلي عن نهجهم في إبقاء قاعدة التحاصص المصلحي هي السائدة  والترويج لنظرية المؤامرة الخارجية وإختلاق معرقلين وهميين للتعمية على الفشل والتخبط الذي نشهده.                                                                                

    إن شعلة حرکة الإحتجاجات الشعبية والتي بدأت سلمية  عشية 17 تشرين كانت عفوية ومفاجئة لكافة أطياف الطبقة السياسية حتى لا نقول انها أربكتهم سيما وأن عشرات الألوف او مئات الألوف –لا فرق- الذين إجتاحوا الساحات رافعين الشعارات والمطالب الإصلاحية ينتمون إلى كافة شرائح المجتمع على إختلاف توجهاتهم ، حتى ان بعض المناطق كان حضورها وتحركها لافتا ومؤيدا مع بدايات الحراك.-قبل أن يُطلب منها الخروج من الساحات-. نتيجة لهذا المدّ الشعبي عملت الطبقة السياسية على إستعادة  أنفاسها وبدأت بالتصويب على هذا الحراك بمختلف الوسائل. وبدأ الضغط على المواطن من خلال الفلتان المتسارع للأسعار وبروز الأزمات المعيشية الضاغطة وإستطاعت أن تنقل المواطن من التجمهر في الساحات والميادين إلى الإصطفاف في طوابيرأمام المصارف والأفران ومحطات الوقود…  وشبح العتمة بدأ يلوح في الأفق. وأصبح همّ المواطن البحث عن تأمين شمعة بدلا من أن يلعن الظلم والظلاميين، هذه الأزمات المفتعلة إضافة الى إزدياد إصابات الكورونا والخوف من تفشيها نتيجة الفتح  غير المدروس للبلد، كل هذا جعل من المواطن أسيراً لمثل هذه الأزمات التي حالت بينه وبين إعادة النبض للتحرك الشعبي المطلبي.

 من يراقب مجريات الأمور يجد أن هذه المنظومة الحاكمة بدأت تترنح بفِعل الضغط والأزمة المالية الكبرى والحراك الشعبي الذي تخفّ وتيرته وتعلو من حين لاخر. والانفجار الاجتماعي حاصل حتماً وسيؤدي إلى سقوط الهيكل على رؤوس الجميع . لذا يجب إبقاء المواجهة في الإتجاه الصحيح والتركيز على الأزمة المالية في غياب معالجات جدية في الأفق المنظور، إضافة إلى وَضع معيشي ضاغط يجري التخبط في التعامل معه ولم تنفع أي سلة غذائية من تخفيف وطأة الغليان في الأسعار. ومن هنا أهمية التَهيّؤ وطنياً وسياسياً للمرحلة الجديدة والسعي قدر الإمكان إلى قطع الطريق على محاولات التوتير، وحتى لا يتم التسلل إلى هذا الحراك  فلا بد له أن يبدأ بالعمل علی تنظيم نفسه بشکل سياسي للدخول في معترك التنافس، وبدأنا نشهد بعض المحاولات بهذا الخصوص. والضغط للإسراع بإجراء التعديلات  المطلوبة  التي تضمن إجراء انتخابات ذات مصداقية، حرّة، نزيهة وشاملة بشكل صحيح بعيدة عن أي تأثير سواء كان ظاهرا أم خفياً.

شاهد أيضاً

“عامل”: تضرر مراكزنا بالقصف الاسرائيلي لن يثنينا عن واجبنا لتعزيز صمود أهلنا

*مهنا: نرفض انتهاك الاتفاقيات والشرائع الدولية وازدواجية المعايير في التعامل مع الارتكابات الاسرائيلية* بيروت، 17 …