لكل مقام مقال ولا محدودية للحرب إذا امتدت وشملت

د.جعفر القزويني

البعض يتفاجأ ان سويسرا تخلت عن حيادها وقررت تجميد اموال روسيا

وان فنلندا التي ارسلت رسالة حياد الى بوتين قبل اسبوع قد لحست حيادها وقررت الانضمام للناتو وارسال اسلحه لاوكرانيا

وان المانيا وبعد 77 سنه خرجت من تحديدات الحرب العالميه الثانيه وبدأت في عسكرة الصناعه الالمانيه لمستويات عام 1939.

وان السويد التي بقيت محايده من عام 1914 قررت القاء حيادها في البحر وان تنضم للناتو..

كل هذا لم يفاجئني.

1- من دراستي للاقتصاد العالمي وجدت ان الاقتصاد العالمي في حالة ركود لم تخرج منه من عام 2008 وان كل ما تم اتخاذه هو اجراءات ترقيعيه لتمشية الامور

الاقتصاد الرأسمالي وصل الى نقطة التوقف خصوصا بعد كارثة كورونا. الحل الوحيد هو تصفير النظام وهذا لا يحدث الا بحرب كبرى.

قبل سنوات قرأت كتاباً عن الحرب العالميه الاولى لا اتذكر كل تفاصيله ولكن ما اذكر منه ان رئيس نقابات العمال في فرنسا حذر في سلسلة مقالات في الجرائد ان البنوك الرأسمالية و صناعيي اوربا من روسيا الى المانيا الى النمسا الى فرنسا وبلجيكا وبريطانيا وامريكا اتفقوا على خوض الحرب بينهم!!! وانهم اتفقوا على ان تصبح سويسرا ارض محايده لتكون ملجأ آمن لارباحهم من الحرب.

بعد نشره للمقالات تم اغتياله واعلنت الحرب عام 1914.

نفس الشيء تكرر عام 1939 بعد الانهيار العالمي في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي.

الان الاوضاع مشابهه لتلك والعالم من وجهة نظر النظام الرأسمالي بحاجه للحرب لتصفير النظام.

2-الكل يلاحظ ان الغرب يسير في خطوات منتظمه وليس كرد فعل وانما كأنه يسير على خطه مرسومه سلفا.

كان بامكان الغرب ان يقبل اوكرانيا في حلف الناتو من يوم دمرت سلاحها الاستراتيجي النووي والقاذفات والصواريخ العابرة القارات كما فعل مع دول البلطيق. ولكن الغرب ترك اوكرانيا وحيده في حضن الدب الروسي منتظرين ان تقوم قيادة روسية بتهديد اوكرانيا فيتخذوها ذريعة لجر روسيا للحرب.

هناك فرق بين مراكز الابحاث الاستراتيجيه عندنا وبين مراكز الابحاث الغربيه. في مراكز ابحاثنا ياتون بضباط سابقين او سياسيين في المراكز يقرأون الكتب والمنشورات ويتابعون الاخبار ويكتبون التقارير التي قد يقرأها السياسي او يهملها صاحب القرار.

مراكز الابحاث الامريكية والغربة تختلف ..  يأتون بخريجي جامعات في الاحصاء والتخمين والكومبيوتر ويعملون جنبا الى جنب مع العسكريين والاقتصاديين والسياسيين ويقومون بشيء مهم جدا هو ال(سيميليشين) اي اجراء تشبيه على الكومبيوتر لحاله معينه.

يعني يضعون في الكومبيوتر امكانيات كل دولة العسكرية والاقتصادية ويجربون وضع معين مثل اجتياح روسي لاوكرانيا او دول البلطيق او اجتياح العراق للكويت مثلاً.

مخرجات هذا التشبيه توضع في دراسة ومنه يتم وضع خطه مرسومة لخطوات والتوقيتات لكل خطوه يتم اتخاذها.

هذه الخطة توضع في لوكر فيه كل وضع ممكن ان يحصل والخطة الخاصة به. حين يتحقق هذا السيناريو يتم سحب الخطه وتطبيقها او ادخال تعديلات صغيرة عليها قبل التطبيق.

لذلك نرى خطواتهم متتابعة ومحسوبة وليست رد فعل ابداً.

3- كانت العقوبات الاقتصاديه مفاجئة ليست لبوتين وحده وانما للعالم كله. اشد من وضع العقوبات هي بريطانيا. فمنذ عام 1991 حين سقط الاتحاد السوفيتي قدمت بريطانيا نفسها كجنة لاصحاب الاموال الروس. بالضبط مثلما فعلت مع حرامية العراق حيث وفرت للاموال المسروقة ملاذاً آمناً ومنحت الحرامية الروس جنسيات واقامات ذهبية ومنعت عنهم الملاحقات القضائية لكي تشجعهم على جلب اموالهم الى لندن. في نفس الوقت وبعد ان لاحظت تكالبهم على العقارات رفعت اسعار العقارات في بريطانيا ولندن خصوصاً الى مستويات فلكية. فالشقة التي كانت في التسعينيات بمئة الف باون او اقل صارت اليوم باكثر من مليون باون اي اكثر من 10 اضعاف ان لم يكن عشرين. وبذلك سحبت اموال الحرامية الروس طوال ثلاثين سنة.

عقوبات بريطانيا اليوم تضمنت قائمة بثمانمئة اسم اتضح انهم كانوا تحت المراقبه من سنوات طويلة وممكن من قبل ان يتوجهوا لبريطانيا تم سحب الجنسية والاقامه منهم وحجز اموالهم المنقولة وغير المنقولة وكذلك طائراتهم ويخوتهم وسياراتهم الخاصه.

ما سمعته كذلك ان الشرطة اقتحمت قصورهم وشققهم وامرتهم بالخروج بالملابس العادية بلا فراء ولا ملابس ثمينة وبلا حلي او ساعات ونقلتهم الى اماكن سكن عادية وستصرف لهم راتب اسبوعي بحدود 500 باون وهم تحت المراقبة وممنوعين من السفر.

لا توجد للآن احصائية عن كمية الاموال المصادرة والمحجوزة ولكنها تقدر بمئات المليارات من الباونات.

هذه فقط بريطانيا وكذلك امريكا وباقي اوربا وكندا واستراليا ونيوزلند واليابان وللغرابه … سويسرا ايضاً!!!

الغرب مول حربه من اموال روسيا.

4- طول الفتره السابقة وخلال مناقشات يومية تجري بيني وبين الدكتور نوري المرادي كنا ننتظر من سيقوم بالهجوم اولاً من الاحتمالات الثلاث.

فقد كنا ننتظر اما ان تهاجم روسيا اوكرانيا

او ان تهاجم الصين تايوان

او تهاجم اسرائيل ايران (كان اضعف الاحتمالات)

هذه كلها ممكن ان تكون مدخلات لمواجهة دولية

بوتين اخطأ في حساباته (حسب ما اعتقد) توقع انه حين يهاجم اوكرانيا فان الغرب سيتراجع ويتفاوض معتمداً على ان الغرب لايريد مواجهة

وان الصين ستستغل الفرصه لتهاجم تايوان

وان المانيا لن تتمكن من التخلي عن غاز ونفط روسيا

وان السويد وفنلندا سيحافظون على حيادهم

وان سويسرا لن تحجز على اموال روسيا

كل هذا لم يحصل ولن يحصل…

وان القيادة  الصينية الجماعية وليست الفردية  لن تخاطر باقتصادها لاسترجاع تايوان التي ستعود إلى الصين ان عاجلاً او آجلاً.

اتضح ان الغرب يسعى للمواجهة باكثر مما يسعى لها بوتين

وانه حتى التهديد بالنووي لم يؤثر فيهم للتراجع.

مازال بإمكان  بوتين ان يتراجع ولا عار في هذا فالاصرار على الاستمرار سيؤدي للكارثه, سيدفع بوتين وروسيا ثمناً للتراجع ولكن الثمن الذي سيدفعه العالم للاستمرار سيكون موت شامل ودمار هائل للعالم كله وليس لاوربا وامريكا وحدهما.

هل سيستمع بوتين لصوت العقل؟

لا اعتقد ذلك

الغرب درس نفسية بوتين وهو متفرد بالسلطة  وليس هناك من ينصحه بعكس ما يريد

حتى مدير مخابراته الذي لمح باقل ما يمكن للتفاوض زجره بوتين وهدده على رؤوس الاشهاد

الغرب سيستفز بوتين ويمنعه من التراجع لان الغرب الرأسمالي المجرم يريد الحرب وهم درسوا نفسيته وسيستفزوه بما لا يستطيع تحمله فيجعلوه يمضي في طريق هم رسموه له.

لا ملجأ لنا اليوم الا الدعاء الا يصر بوتين على السير في طريقه وان يستمع الى صوت العقل لا في طريق الدمار العالمي الشامل.

شاهد أيضاً

حشودٌ كبيرة من أبناء ذي السفال والسياني بمحافظة إب اليمنية في مسيرة معركتنا مستمرة حتى تنتصر غزة ..

تقرير /حميد الطاهري خرج أبناء مديريتي ذي السفال والسياني بمحافظة إب “وسط اليمن” عصر اليوم …